صاحب الجلالة ، تحية تقدير وإحترام وبعد :
أكتب هذه الرسالة في مرحلة دقيقة ينظر فيها إلى هذا النوع من المبادرات على أنها تطاول ، ويفسر فيها الصدق بوصفه تهورا، وينعت النقد الموضوعي بكونه ضربا من العدمية ،، وتطرح فيه عشرات الأسئلة عن الدوافع والنيات ، يصاحبها سؤال أبرز عن شرعية هذا الذي يراسل الملك ، ومن أين أتى بمداد التفويض الذي يخط به كتابه ؟؟ ، الجواب بسيط : المواطنة أم الشرعيات ..
صاحب الجلالة ،
مر على حكمكم عشرون سنة ، يوم 30 يوليوز 1999 كنت أجلس على شاشة التلفاز أنتظر خطابكم بكثير من الحماس ، وأنا شاب أكمل للتو عقده الثاني ، منخرط في السياسة ، نشط داخل جمعية تعنى بالثقافة في منطقة هامشية ، مفعم بالأمل من أجل مغرب أفضل ، متعطش لإكتشاف ملامح ملك شاب ومعالم سياساته للإنتقال بشعبه إلى الحرية والعدل والرفاه ..
صاحب الجلالة ،
أبلغ اليوم من العمر أربعين سنة ، كنت شاهدا فيها على أبرز محطات حكمكم ، محتفظا بفقرة من أول خطاب لكم يوم قلتم ( نحن متشتبون بنظام الملكية الدستورية ، والتعددية الحزبية ، والليبرالية الإقتصادية ، وسياسة الجهوية اللامركزية ، وإقامة دولة الحق والقانون ، وصيانة حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية ، وصون الأمن ، وترسيخ الإستقرار للجميع )
إنه ، في إعتقادي المتواضع ، أقوى ماجاء في خطابكم الأول ، فلا هدية يمكن يقدمها الجالس على العرش لرعاياه من الملكية الدستورية يكون فيها الملك حكما بين حكومة تحكم وبرلمان يشرع وقضاء مستقل ساهر على إحترام القانون ..
صاحب الجلالة ،
إن عقدين من الزمن أظهرت التنفيذية غير قادرة على تحقيق الكرامة لرعاياها ، والإنتقال بهم إلى مرفأ المواطنة ، وأمن طبيعة حكمها تجعلها محاطة بنخب سياسية ، وإقتصادية ، وأكاديمية ، وإعلامية ، وصولية ومنافقة ، تتقن تعليف مصالحها في غلاف الوطنية ، وتدعي زورا ، أنها وحدها المنشغلة بمستقبل الوطن ..
لقد أظهر المغاربة العقدين الأخيرين أنهم حلفاء للإصلاح من خلال آمالهم التي إنشغلت إبان هيئة الإنصاف والمصالحة وتصفيقهم الحار للمكتسبات الجزئية التي جاءت بها مدونة الأسرة ، ومساهمة نخبة منهم في التقرير الخمسيني ، ومساحات الحرية التي وسعها جيل جديد من الإعلاميين بداية الألفية ، وتملك الهيئات المدنية المستقلة للقضاء العام ، وإنتعاش المبادرة الإقتصادية ، في لحظة تردد طبعت سلوك حراس السلطوية وتجار الريع ، الذين ظنوا لوهلة أن المغرب بصدد التأسيس لقطيعة مع أدوات الماضي ، التي أدت به إلى (السكتة القلبية) ، تبين بعدذلك أننا كنا أمام فترات فتحت فيها نوافذ لتهوية البيت المغربي كلما أوشك سكانه على الإخنتاق ، وأننا لم نقرربعد فتح الباب بشكل نهائي في وجه تيار المبادرة السياسية والإقتصادية الحرة كي يملأ رئة الوطن ..
صاحب الجلالة ،
لم تكن “20 فبراير” حركة شعبية وحسب ، بل كانت لحظة مفصلية في تاريخ المغرب ، وإستفتاء شعبيا لا ريب فيه ، صوت فيه طيف واسع من المغاربة لأجل دولة “الكرامة والحرية والعدالة والإجتماعية ” ، وبعد خلو الشارع من صوت هذه الحركة الوحدوي والجامع ، شكلت الحركات الإحتجاجية المجالية في عدد من الأقاليم والمدن ، وآخرها جرادة والحسيمة ، مغصا طبيعيا ومنتظرا لهذا الحمل الشرعي ، الذي مازال يرقد في رحم الوطن ..
لقد كان الإصلاح هو هاجس الشباب في “20 فبراير” ، وفي الريف ، وزاكورة ، وسيدي إيفني ، وبوعرفة ، وطاطا ، وجرادة ، وغيرها من المدن والبلدات ، وقد طبقوا بالحرف ما جاء في خطابكم بمناسبة مرور عقدين على حكمكم ، بكل (تجرد وموضوعية) ، وقد رفعوا لكم ” الحقيقة ولوكانت قاسية أومؤلمة ” ، كما تحلوا *بالشجاعة والإبتكار في إقتراح الحلول *
لقد حوكم عدد من شباب هذا الوطن بتهم ثقيلة بعدما إستعملوا شارع المملكة كأداة سلمية للتعبير عن طموحات ديموقراطية ، كما غادر بعضهم المغرب نحو أوروبا أو كندا أوالولايات المتحدة الأمريكية ، وهم يحملون وطنا غاليا في حقائب سفرهم ، وإنه لمن الممكن أن هؤلاء *نخبة جديدة من الكفاءات في مختلف المناصب والمسؤوليات ، وضخ دماء جديدة ، على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والإقتصادية والإدارية ، بما فيها الحكومة * تماما كما جاء خطابكم ..
صاحب الجلالة ،
تعلمون علم اليقين ، كما يعلم مستشاروكم وكافة النخب المشتغلة إلى جانبكم أن الحرية هي المدخل التنمية الوحيد ، وأنها الإسمنت المسلح لبناء كل نموذج ناجح ، وجب أن تقف ركائزه على نظام حقيقي للتعددية السياسية والمبادرة الإقتصادية الحرة ومشاركة المواطنين الفعلية في إتخاذ القرار ، من خلال عقد إجتماعي مدني يجمعكم بشعبكم وتوفير قضاء عادل وفصل بين السلطات..
لقد نجح المغرب في التأسيس لحكومة تسود ولا تحكم ، وتخلفت الدولة عن تسديد دينها الأصلي اتجاه مواطنيها في التعليم والصحة والرعاية الإجتماعية ، في وقت يتوفر فيه هذا البلد على كل المؤهلات البشرية والطبيعية ليكون مفخرة في سياق إقليمي مضطرب وستكونون فيه وبه يا صاحب الجلالة ، أول المفتخرين ..
عيد سعيد وكل عام وأنتم والشعب المغربي بألف خير …
مولاي رشيد البلغيتي ..