الرباط : يعيش «المجلس الوطني للصحافة» في المغرب حاليًا وضعية فراغ وجمود بعد انتهاء مهلة تمديد أجله القانوني، وتسعى حكومة عزيز أخنوش إلى إنقاذ الموقف بطرح فكرة تشكيل «لجنة مؤقتة» لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، على أنظار المجلس الحكومي الذي سينعقد غدًا الخميس.
وانتهت يوم 4 نيسان/ أبريل مهلة ستة شهور التي منحتها السلطات المغربية للمجلس المذكور، بهدف إجراء انتخابات لهياكله، لكنه لم يصل إلى نتيجة بسبب الخلافات القائمة بين أطراف عدة في مجال الإعلام، من نقابات الصحافيين وجمعيات ناشري الصحف.
وإذا كانت «فدرالية ناشري الصحف» و»نقابة الجامعة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام» تطالبان بالإسراع بإجراء الانتخابات في وقتها، فإن «النقابة الوطنية للصحافة المغربية» و»الجمعية المغربية للإعلام والناشرين» اعتبرت أن تجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة وإعادة النظر في منهجية عمله ينبغي أن يكون في إطار تصور شامل لإصلاح منظومة الإعلام في المغرب.
وكان محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، كشف أن الحكومة أعدّت مشروع قانون ستعرضه على البرلمان هذا الشهر، من أجل الحسم في الانتخابات المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة، مع الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات الشركاء المؤسساتيين، في إشارة إلى نقابات الإعلاميين وجمعيات ناشري الصحف.
وأضاف أنه «كان يمكن ألا نتدخل في الخلاف الذي حصل بين مهنيي الصحافة، على غرار الأطباء، إلا أن الحكومة تسعى إلى القيام بدور الوساطة لتقوية دور المجلس الوطني للصحافة، واعتبر الخلاف الحاصل بين العاملين في الصحافة «خلافًا صحيًا»، وسيتم الاحتكام لحله إلى الديمقراطية من خلال التصويت على مشروع القانون في البرلمان.
يذكر أن مقترح قانون تقدمت به في كانون الثاني/ يناير الماضي فرق الأغلبية والمعارضة ويتعلق بتعديل القانون المتعلق بالمجلس ينصّ على تعيين رئيس المجلس بدل انتخابه. وأثار الاقتراح جدلًا واسعًا، لكونه يتراجع عن الانتخاب في مؤسسة تهم الصحافيين، ويعوضه بالتعيين الملكي. وجرى سحبه بدون معرفة سبب ذلك، ولم يصدر أي بيان بهذا الشأن، من الفرق البرلمانية المعنية. فيما أشارت مصادر إلى أن استياء حصل تجاه المقترح أدى إلى إقباره وسحبه، لأن تعويض مبدأ الانتخاب بالتعيين في مؤسسة تمثل إحدى ركائز الديمقراطية وهي الصحافة، يبعث إشارة سلبية.
وجدّد «المنتدى المغربي للصحافيين الشباب» مطالبته بـ»مراجعة القانون الحالي للمجلس الوطني للصحافة بما يضمن أولًا، تجويده وتطويره حتى يكون ملائمًا لمضامين الدستور وأساسًا وفق ما تنص عليه أحكام المادة 28 منه، وللمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة بحرية الرأي والتعبير، وللممارسات الفضلى في مجال هيئات التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة على المستوى الدولي». كما دعا في بيان إلى «عدم التراجع عن اعتماد المبدأ الديمقراطي المتمثل في الانتخابات، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على صورة المجلس على الصعيد الدولي، ويعزز تمثيليته للجسم الصحافي بوصفه هيئة مستقلة للتنظيم الذاتي». وأثارت القضية تفاعلات عديدة عكستها صفحات التواصل الاجتماعي، إذ تساءل الإعلامي عبد الغني جبار «هل ستلغي الحكومة المجلس الوطني للصحافة بعد جدولة مشروع قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر وليس المجلس؟». كما كتب الإعلامي الحسن آيت بيهي: «من المجلس الوطني للصحافة إلى لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر… خطوة إلى الوراء بسبب البعض».
نجيبة جلال، مديرة موقع «ليكسبريس تي في» ذكرت أن السيناريو المحبذ لدى وزير الشباب والثقافة والتواصل «أن يكون رئيس اللجنة المؤقتة هو رئيس المجلس الحالي ونائبته هي النائبة الحالية». وتوقعت أن مشروع القانون الذي سيطرح على أنظار المجلس الحكومي غدًا الخميس هو «مشروع قانون مفصّل لإرضاء الخواطر والإبقاء على السيد رئيس المجلس فيه، وهذه كارثة عظمى نشتم فيها رائحة المحاباة في أمر حساس جدًا»، وفق تعبيرها. واستدركت قائلة: «طبعًا، اللجنة المؤقتة قد تكون حلًا إذا أشرف عليها طرف محايد حتى لا يتم إقصاء ممثلي الجسم الصحافي خلال تدارس الإطار القانوني للمهنة، الشيء الذي قد يتطلب على الأقل سنة ونصف أو سنتين». ودعت إلى الحفاظ على المنهجية الديمقراطية لتكسب المجلس شرعية أكثر في الوسط المهني.
الإعلامي حسن المولوع أدلى بدلوه، قائلاً: «عندما عجز وزير الثقافة والشباب المكلف بقطاع التواصل عن التمديد في عمر المجلس الوطني للصحافة بهدف إرضاء أصدقائه، وجد «تخريجة» وهي عبارة عن مناورة، حتى لا ينكث العهد الذي قطعه مع تنظيمات مهنية بأنه لن يكون هناك تمديد آخر …هذه التخريجة / المناورة هي التي في ضوئها ينعقد مجلس الحكومة غدا الخميس لتدارس مشروع بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر بعد نهاية ولاية المجلس الوطني للصحافة في الرابع من نيسان/ أبريل الجاري». لكنه رأى أنه «غير السليم وغير الجيد هو أن تلك اللجنة ستضم الأعضاء نفسهم من المجلس المنتهية ولايته»، معتبرًا ذلك «تمديدًا بشكل احتيالي ومُقنَّع، أراد به الوزير القيام بمناورة ضدًا في إرادة الصحافيين والصحافيات الذين يجمعون على وجوب إجراء انتخابات امتثالًا للدستور وللقانون المنظم للمهنة».
وذهب إلى القول إن الوزير يسعى إلى «إرضاء» أصدقائه سواء داخل المجلس الذين فشلوا في تسييره، أو الذين هم خارج المجلس من اللوبيات التي تريد ابتزازه. وأعرب عن اعتقاده بأن اللجنة المؤقتة لتسيير المجلس الوطني للصحافة وليس لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر يجب أن تضم وجوهًا جديدة، تتحلى بالحكمة والنزاهة، ويجب تمثيلها من طرف حكماء وممثلين عن مختلف التنظيمات المهنية، بالإضافة إلى ممثلين عن وكالة المغرب العربي للأنباء والقناة الثانية والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والإذاعات الخاصة وشركات الإنتاج.
وتحت عنوان «إكرام المجلس الوطني للصحافة دفنه» سجل توفيق ناديري، (أمين عام) النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام، مجموعة الملاحظات أولاها أن مشروع إحداث لجنة مؤقتة انطلق من المبدأ الدستوري الذي يتحدث عن تشجيع السلطات العمومية على التنظيم الذاتي، وهو ما يعني أن هذا الإجراء يشكل تأويلًا جديدًا لمفهوم التنظيم الذاتي.
وأضاف أن هذا الاجتهاد يطوي ظاهريًا ومؤقتًا صفحة المجلس الوطني، بعدما تم تسجيل فشل فادح في تدبير المهمتين المفترضتين لهذا المجلس (منح البطاقات المهنية، أخلاقيات مهنة الصحافة)، وأعرب الإعلامي نفسه عن اعتقاده بأن هذا الطي سيكون نهائيًا.
واستطرد قائلًا إن اللجوء لهذا الإجراء يكشف فشل كل المحاولات السابقة للالتفاف على القانون والمنهجية الديموقراطية في تشكيل المجلس أو تنصيبه أو تمديده إلى ما لا نهاية من التمديد الطريف.
وسجل أن أصعب الملاحظات تتمثل في أن الإعلاميين يعطون صورة سلبية عن المجال بعدم الوصول لتوافقات تنتصر للمهنة، مضيفًا أن اللجنة المؤقتة يفترض أن توجد هيكلًا تنظيميًا مستدامًا منسجمًا مع الدستور والقوانين ذات الصلة.
وخلص إلى القول «إننا أمام منعرج صعب، من المفترض أن نعزز فيه قيم الديموقراطية والمهنية والاستقلالية، كي لا نجد أنفسنا مستقبلًا أمام اجتهادات مزاجية أو تأويلات لجبر الخواطر والمساس بصورة البلاد كدولة تشجع على استقلالية وحرية الممارسة الإعلامية. فالوطن بحاجة لمؤسسات شرعية صلبة تدافع عن صورته وقضاياه المصيرية، وليس بحاجة لأشخاص، فالأشخاص يعبرون والمؤسسات تبقى إن كانت محصنة بالقوانين وروح الديمقراطية والتنافسية الشريفة».
Advertisement
Advertisement
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك