سجال في المغرب حول المساواة في الإرث: حقوقية تتحدث عن «تأنيث الفقر» وإسلاميون يستنكرون «الإساءة للثوابت الدينية»..

Advertisement

وضعت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية)، عدم المساواة في الإرث بين المرأة والرجل في خانة “التمييز” و”تأنيث الفقر”، أما حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المعارض، فقد استنكر “الإساءة للثوابت الدينية للمغاربة”.
المسافة الفاصلة بين كلام بوعياش ورد حزب “العدالة والتنمية” ببيان لأمانته العامة، جرت فيها سيول جارفة لتدوينات قاسية كتبها بعض شيوخ السلفية.
تجدد جدل الإرث في المغرب جاء على إثر تقديم دراسة أنجزتها “جمعية النساء المغربيات للبحث والتنمية”، وتمحورت حول “نظام الإرث في المغرب” وكان سؤالها الأساس “ما هي آراء المغاربة؟” وفق نتائج الدراسة، فإن المغاربة يرفضون أي تعديل لمنظومة الإرث، وتبيّن أن نسبة 44 في المئة من الشريحة المستجوبة عبّرت عن رفضها لأي تعديل في مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالإرث، فيما 36 في المئة أيدت التغيير واعتبرت المقتضيات الحالية في شق الإرث “تمييزية اتجاه النساء”، وهناك فئة ثالثة تمثل 20 في المئة لم تعبر عن رأيها وبقيت في الحياد.
الدراسة نفسها أفادت بأن 86.6 في المئة من المستجوبين أكدوا أنهم يعرفون قواعد نظام الميراث، ومنهم 90.4 في المئة في الوسط الحضري، و79.5 في الوسط القروي (الأرياف).
وعبّر 82 في المئة من المستجوبين عن تأييدهم لقاعدة توريث المرأة نصف نصيب الرجل، ومنهم نسبة مهمة بلغت 73.6 في المئة ينتمون لأسر ليس بها ذكور، أما التعليل الأساس الذي يدفع به المدافعون عن عدم تعديل نظام الإرث، فهو كونه قاعدة تجد مرجعيتها في الدين.
الكشف عن هذه النتائج التي لا يمكن اعتبارها صادمة، لأن المغاربة محافظون ومتشبثون بالدين، لم يثن رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، عن قول كلمتها والتأكيد على أن مدونة الأسرة جاءت بمبادئ ساوت بين المرأة والرجل في الواجبات، وذكرت نموذج الرعاية المشتركة للأسرة، إلا أن هذه المساواة، تستطرد المتحدثة، لم تطل الحقوق المكفولة للمرأة في الجانب المتعلق بالإرث.
ومرت بوعياش إلى عمق الجدل المثار حول تعديل مقتضيات مدونة الأسرة لتتلاءم مع مضامين دستور 2011، لتقول إن نظام الإرث بالمغرب “ما زال حاملاً لعدد من مظاهر التمييز وعدم المساواة تجاه المرأة، من صُوَرها نظام التعصيب، والقيود المفروضة على الوصية، وهو ما يحد بشكل قوي من ولوج النساء والفتيات إلى الأرض والثروات، وجعلهن أكثر عرضة للفقر والهشاشة”.
وحسب المسؤولة الحقوقية، فإن نظام الإرث المعمول به في المغرب “يتمتع فيه الرجال بامتيازات وإمكانيات للحصول على العقارات والصناعات والأعمال التجارية، ما يؤدي إلى تأنيث الفقر”.
وتجددت موقفها المؤيد لإقرار مبدأ المناصفة في الميراث، مؤكدة أن التحولات البنيوية العميقة التي شهدتها الأسرة المغربية، ومنها خروج المرأة إلى العمل ومشاركتها في اقتصاد البيت، “حوّلتها بشكل متصاعد من كائن مُعال إلى معيل تعتمد عليه الكثير من الأسر المغربية وعلى مساهمتها المادية”.
كلام بوعياش جر عليها وابلاً من النقد وحتى الهجوم من طرف بعض شيوخ السلفية، لكن حزب “العدالة والتنمية” لم يسر على درب التهجم، بقدر إصداره لبيان استنكر فيه تصريحات المسؤولة الحقوقية المغربية.
ورغم أن إخوان عبد الإله بن كيران لم يهاجموا بشكل فج أمينة بوعياش، إلا أنهم صعّدوا من لهجتهم في البيان المذكور، ودعوا رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الكف عن الإساءة للثوابت الدينية للمغاربة.
البيان الصادر عن حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المعارض، كان نتيجة لمداولات الأمانة العامة، واعتبر أن تصريح بوعياش لا يليق برئيسة مؤسسة وطنية يفترض فيها الالتزام بالقانون والحرص على احترامه.
وبالنسبة للأمانة العامة للحزب الإسلامي، فإن احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة هو من بين الإصلاحات لبعض مظاهر الحيف التي تعاني منها المرأة المغربية، مشدداً على أن ذلك لا يتم عبر الاتهام الذي وصفه بـ “المغرض” للنصوص الشرعية بتحميله المسؤولية عن فقر النساء والرجال على حد سواء.
وبعد أن أعرب عن قلقه “الكبير” ممّا أسماه بـ “المساعي الجارية من طرف بعض الجهات للمساس بنظام الإرث الجاري به العمل والذي يستمد مرجعيته من الشريعة الإسلامية”، أكد أن تقييم حوالي عقدين من تطبيق مدونة الأسرة ينبغي أن يجري في ضوء نقاش علمي رصين وموضوعي وهادئ من طرف ذوي الأهلية والاختصاص، بعيداً عن بعض المقولات الأيديولوجية المعادية للقيم الدينية.
وختم حزب “العدالة والتنمية” بيانه بالتشديد على أن نقاش تعديل مدونة الأسرة وخاصة في الجانب المتعلق بالإرث، يجب أن يشارك فيه جميع الفاعلين من علماء وقضاة وقانونيين ومجتمع مدني مسؤول، وذلك في ظل المرجعيات والثوابت الوطنية الراسخة في هذا الباب، والمتمثلة في الأخذ بالشريعة الإسلامية ومقاصد الإسلام السمحة في تكريم الانسان والعدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف وبوحدة المذهب المالكي والاجتهاد الذي يجعل الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.