رشيد اخريبيش
حملن أغراضهن وخرجن من منازلهن في عز رمضان، وتوجهن إلى الضيعات أملا في العودة بما يسد رمق أبنائهن، لكن لم يعلمن أن البحث عن لقمة عيش في هذا الوطن لن يؤدي بهن سوى إلى الموت المحقق على بعد أيام من احتفال الدولة بعيد المرأة العالمي .
لم يُسعفهم القدر ولم تُسعفهم الظروف حتى يُمضين شهر رمضان في بيوتهن فقضين نحبهن في حادثة سير أثناء عودتهن من العمل في الضيعات الفلاحية فانتهت بذلك حياتهن بطريقة مأساوية .
في ظل حكومة الكفاءات، وفي ظلّ مغرب التّغيير وفي ظلّ مغرب الأقمار الاصطناعية ومغرب التّجديد و حقوق المرأة وبروباغندا إشراك المرأة في العملية السياسية لازال المغاربة يموتون في وطنهم من أجل رغيف خُبز أو حفنة طحين بلا أدنى كرامة.
على ما يبدو فالحكومة مشغولة بالسّياسة الخارجية وبوضع المغرب المتقدّم مع الاتحاد الأوروبي وباتفاقيات الصّيد البحري ومشغولة بتصدير الطماطم لجلب العملة الصعبة .
أمّا الجوعى من الشّعب ممن يصرخون من ارتفاع الأسعار، و ممن يَحرقُون أنفسهم في الشّوارع احتجاجاً على أوضاعهم، والمرضى من الشّعب ممن يموتون في المستشفيات بلا أدنى رعاية، وأولئك الّذين يخرجون في أكثر من مدينة للتّنديد بقفة رمضان التي حُرموا منها
كل هؤلاء لم ترصدهم الحكومة ولا حتّى أقمارنا الاصطناعية التي يبدو أنها ترصد فقط المحتجّين والصحفيين والمُدوّنين وأصحاب الكلمة الحرّة الذين يتم الزّج بهم في غياهب السّجون تاركين المجال للمُطبلين وللأقلام المأجورة لتغيير الحقيقة وتقديم الوهم للمغاربة.
حتما سيخرجون كما خرجوا من قبل، وحتماً سيُصرّحون وحتماً سيُعلنون أنّهم سيفتحون تحقيقا في الحادث كما العادة. وكم من تحقيق فُتح بعد كلّ حادث، وغالبا ما تُحمِّل نتائجه المسؤولية للضّحايا.
شهيدات الخُبز اللّواتي ذهبن ضحيّة استخفاف من طرف أصحاب التّعويضات الخيالية ممن يُجيدون الكلام أمام الكاميرات ويَعِدْن النّساء بمستقبل زاهر في ظلّ حُكمهم، اعتادوا أن يستقبلوا كل حادث بالأسف الشّديد وإرسال رسائل العزاء إلى عائلات الضّحايا، وربما يمكن لهؤلاء توفير الأكفان وتنظيم سرادق العزاء في بيوتهن ، هذا أقصى ما يُمكن أن يفعلوه حُزنا على الضّحايا. لأنّ الوطن الّذي نحيا فيه ونفديه بكلّ ما نملك ونُدافع عنه في السرّاء والضرّاء يتكلف بنا فقط عندما نكون أمواتاً لا أحياء .
يجب أن نفهم نحن المشنوقون على حبل الحكومة، أنّنا بالفعل مجرد أرقام يحتاجوننا فقط لإضفاء الشّرعية على صناديقهم ويحتاجوننا فقط للتّصفيق لإنجازاتهم الوهمية، ويحتاجوننا فقط لللتّطبيل والتّزمير .
كل ما نخشاه أن يُفتح تحقيق في الأمر فيخرجون بتقرير كما العادة، وينتهي الأمر كما انتهى من ذي قبل، ثم لا يُطرح السُّؤال من المسؤول عمّا حدث ؟
إذن ما الغاية من التّحقيقات إذا كانت ستتجاهل البحث عن المسؤول أولا عن ذلك الحادث، والأهم من ذلك كله ،المسؤول عن أوضاع تلك النّساء اللّواتي خرجن من ديارهن وقَبلن قطع مسافة طويلة من أجل البحث عن لقمة العيش.
كيف يستقيم مثلا أن نسأل سائق المركبة ونُحمّله المسؤولية مع أنّه قد يكون مسؤولاً ولا نسأل سائق هذه الحكومة وكل مسؤول في هذا الوطن عن حقوق هؤلاء النّساء اللّواتي ذهبن طمعاً في دُريهمات يَعُدْن بهن في المساء لأبنائهن فُعدن مع الأسف جُثثاً هامدة فأغرقن أبناءهن وعائلاتهن وعموم الشّعب في بحر من الأحزان .
للأسف ساستنا لا يعنيهم كلّ هذا
لا يعنيهم فقرنا ولا مرضنا، ولا حتى موتنا، كلّ ما يعنيهم أن نكون وقوداً نحترق من أجلهم ونكون عبيداً من أجل أن نهتف بحياتهم .
بماذا يُمكن أن تحلم في هذا الوطن؟
أقصى ما يمكن أن تحلم به في هذا البلد هو أن يتأهل منتخبك الوطني إلى كأس افريقيا والتّفكير في الميزانيات المُخصّصة لتأهيله للمنافسات العالمية. هذا أقصى ما يُمكن أن تحلم به عندما أصبحت الوطنية تقاس بمدى تشجعيك لمنتخب بلادك، وعندما أصبحت الوطنية تُقاس بمدى تطبيلك للوهم وللإنجازات الّتي لا وجود لها على أرض الواقع.
نعرف أنّ كتاباتنا هذه لن تُعيد الضّحايا ولن تُوقف مُسلسل الاستخفاف بحياة الشّعب ولن توقف حتما تجاوزات من كُلّفوا بحماية هذا الشّعب، ولكن نعرف أيضاً أنّ السّاكت عن الظّلم وعن الفساد المسشتري في البلاد، وعن التّجاوزات الّتي تحدث في حقّ أبناء الشّعب إنّما هو شيطان أخرس.
رحم الله ضحايا الحادث المأساوي ورزق أهلهن الصبر والسلوان إنا لله وإنا إليه راجعون .
كاتب مغربي