ذكر تقرير نشرته صحيفة نيزافيسيمايا الروسية أنه على النقيض من الانقلابات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أعلن جيش الغابون على الفور وبشكل لا لبس فيه أن البلاد لن تتخلى عن التزاماتها السابقة، ولن تغير مسار سياستها الخارجية.
كما أن رواية وجود “يد موسكو” خلف الانقلاب لم تظهر في وسائل الإعلام الغربية -على الأقل حتى الآن- واقتصرت الولايات المتحدة وفرنسا على التعبير عن القلق، والحديث عن دعم الديمقراطيات.
وأوضح التقرير أن ما يثير الدهشة هو أن مسار الانقلابات الأخيرة في أفريقيا يكاد يكون متشابها، إذ تُغير السلطة لكن من دون إراقة دماء، وتظهر مجموعة من العسكريين على شاشة التلفزيون معلنة أن الدولة تمر بـ”أزمة مؤسسية وسياسية واقتصادية واجتماعية حادة”، وأن رئيس الدولة يجب أن يستقيل.
وكما كانت الحال في النيجر في البداية، لم يكن واضحا منذ البداية من هو المبادر الرئيسي للانقلاب، ولا يسارع الانقلابيون بالكشف عن زعيمهم، ويكتفون -في البداية- بالإعلان عن نقل جميع السلطات في البلاد إلى قيادة انتقالية، بينما يوضع الرئيس تحت الإقامة الجبرية.
لكن الفارق بين الزعماء لافت للنظر -تتابع الصحيفة الروسية- فبينما قاد الرئيس النيجري محمد بازوم النيجر لمدة نحو عامين فقط بعد انتخابات ديمقراطية، ولم يكن على صلة قرابة بالزعيم السابق محمدو إيسوفو، فإن علي بونغو يتولى السلطة منذ عام 2009، وسلفه هو الأب عمر بونغو، الذي حكم البلاد منذ عام 1967.
وأشار التقرير إلى أن عرش بونغو بدأ يهتز قبل بضع سنوات، وبالضبط عام 2019، حيث كانت هناك بالفعل محاولة لتنفيذ انقلاب في الغابون، إذ أعلن بضعة عسكريين السيطرة على السلطة وقالوا إن الرئيس، بعد إصابته بجلطة دماغية في العام نفسه، لم يعد قادرا على حكم البلاد.
رد فعل هادئ !!
وقالت الصحيفة الروسية إن رد الفعل الدولي على الانقلاب في الغابون لم يكن قويا مثلما كان الأمر عليه بالنسبة للنيجر مثلا، وواضح أن الغرب يتحدث بحذر أكبر بكثير من الحديث عن الأحداث التي وقعت في دول مجاورة.
وإذا كانت باريس قد أدانت الانقلاب، فإن القيادات الغربية لا تزال تكتفي لحد الآن بالتعبير فقط عن “قلقها”، ولا تتحدث الولايات المتحدة ولا حتى الاتحاد الأفريقي عن العقوبات والتدخل.
مصالح !!
ونقل التقرير عن تمارا أندريفا، الباحثة في معهد الدراسات الأفريقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قولها إن الغابون تحتل مكانة متقدمة في سلم مصالح السياسة الخارجية لفرنسا، فهذا البلد، على عكس معظم المستعمرات الفرنسية الأخرى في أفريقيا، ثري للغاية، إذ يمتلك احتياطات نفطية كبيرة، ومعادن مثل اليورانيوم والمنغنيز والذهب.
وحسب الصحيفة الروسية، رغم قلة عدد قوات الجيش الفرنسي في الغابون (نحو 400 شخص فقط)، فإنه لا شيء يمنع فرنسا من التدخل عسكريا، لأن مصالحها الاقتصادية ستتضرر بالتأكيد.
ويعتمد اقتصاد الغابون، الدولة العضو في منظمة أوبك، في المقام الأول على صادرات النفط، وتعد الصين إحدى الدول الرائدة في استيراد المواد الخام، وتعمل على مساعدة البلد في مشاريع البنية التحتية.
وأكد التقرير أن موقف فرنسا في الغابون، وفي جميع مستعمراتها الأفريقية السابقة، شهد تغييرات جذرية خلال الفترة الأخيرة، فبينما كانت فرنسا تتمتع بنفوذ واسع ذات يوم، أصبح أمام القادة الأفارقة اليوم خيار جديد، فهم يلتزمون بسياسة متعددة الاتجاهات ويحاولون تنويع علاقاتهم الدولية، وهذا لا يخدم مصالح باريس.
وبالنسبة للغابون مثلا، تعد الصين شريكا رئيسيا اليوم، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والغابون عام 2022 أكثر من 4.5 مليارات دولار، وهو أعلى بـ5 أضعاف من حجم التبادل التجاري مع فرنسا.
وتوضح نيزافيسيمايا أنه من غير المرجح أن يؤدي الانقلاب العسكري إلى عرقلة التعاون بين الصين والغابون، ولكن لا يستطيع أحد أن يقول الشيء نفسه عن العلاقات مع فرنسا.