غياب السفراء في باريس “إشارة قوية جدا مرسلة إلى فرنسا”.. الإليزيه يعمل على زيارة ماكرون للمغرب وينفي أي أزمة بين البلدين.. صحيفة مقربة من الحكومة المغربية ترد: “لم يعد من الممكن تفادي الأزمة بين الرباط وباريس بالصيغ الدبلوماسية” التقليدية
الرباط – نبيل بكاني:
إن استدعاء الجزائر سفيرها في فرنسا “ليس خطوة تافهة ولا لفتة متكررة”، يؤكد بيير فيرمرين، المؤرخ والأستاذ بجامعة السوربون، وذلك في وقت يعرف فيه منصب السفير المغربي في باريس أيضا شغورا منذ تعيين ممثل الملك مديرا لمؤسسة مالية محلية، ويضيف هذا المختص في تاريخ المغرب العربي المعاصر، أن غياب السفراء في فرنسا “إشارة قوية جدا مرسلة إلى فرنسا بشأن دبلوماسيتها”.
ومع ذلك، فإن نهاية السياسة الفرنسية لقيود التأشيرات للمغرب العربي، في كانون الاول (ديسمبر) 2021 ، قد ألمحت إلى حقبة جديدة في العلاقات الدبلوماسية، لا سيما مع المغرب والجزائر، وفق المتحدث.
وجهت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، رسالة استرضاء إلى الرباط. كان من المتوقع أن زيارة رسمية سيقوم بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون إلى المغرب “في الربع الأول” من عام 2023. لكن التصويت الأخير الذي أجراه البرلمان الأوروبي يدين “تدهور حرية الصحافة في المغرب” أثار غضب الرباط، التي نددت بـ “الخطة المدبرة” المناهضة للمغرب، من قبل الحزب الرئاسي في بروكسل.
“كنا في طور الخروج من أزمة حادة مرتبطة بسياسة التأشيرات” ثم “صرنا رأسا على عقب” بسبب مبادرة صادرة عن نائب “مقرب من الرئيس إيمانويل ماكرون” في مقر البرلمان الأوروبي ببروكسيل، هكذا استنكر كريستيان كامبون، رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية، في مجلس الشيوخ الفرنسي، في حوار نشره موقع قناة “تي في 5” الفرنسية.
في الواقع، تبدو رحلة إيمانويل ماكرون بعيدة كل البعد لأن المملكة المغربية لم يعد لديها سفير في باريس ولم يتم تعيين بديل بعد.
لكن، في الإليزيه، يقول المتحدث، “يتواصل العمل على زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب ويجري نفي أي أزمة بين البلدين، وهناك اثناء على الشراكة المميزة بين البلدين”.
إلى جانب القرار البرلماني الأوروبي، ظهرت نقاط خلاف أخرى: مزاعم عن شبكات مغربية واستغلال النفوذ ، شكوك بالتجسس (بيغاسوس) ، إلخ. أخيرًا وقبل كل شيء، ينفد صبر الرباط لأن باريس لا يبدو أنها تميل إلى تغيير الخطوط حول القضية الشائكة المتعلقة بالصحراء التي تتنازعها مع جبهة البوليساريو. “الشيء الأساسي بالنسبة للرباط، هو أن تعترف فرنسا بالسيادة المغربية” على الصحراء، مثل الولايات المتحدة وإسبانيا، كما يذكر بيير فيرمرين.
ولم تعد تخفي أوساط سياسية فرنسية قلقها من المعارضة المتنامية للحضور الفرنسي المهيمن في بلاد المغرب العربي، وتتهم روسيا اذكاء نار الحقد تجاه فرنسا، وتجهر هذه الأوساط بأن هناك “خط متشدد” مناهض للفرنسيين في المنطقة ، كما يوضح بيير فيرمرين.
وفي ما يشبه الرد، قالت صحيفة “الأوبسرفاتور” المغربية (مقربة من الحكومة) أنه ” لم يعد من الممكن تفادي الأزمة بين الرباط وباريس بالصيغ الدبلوماسية مثل “لا توجد أزمة”.
مستدلة على ذلك بالدور الموجه لزعيم الحزب الذي يرأسه ماكرون، في البرلمان الأوروبي، ستيفان سيجورني، في القرارات الصادرة ضد المملكة.
هذا الجزء من الصحافة الفرنسية يبرز الشعور بالمواجهة بين البلدين، حيث أن صحيفة “ماريان” ، التي أسسها المغربي روبرت الصراف، خصصت 14 صفحة لتشرح لقرائها كيف أن المغرب يكبل يدي فرنسا.
وأضاف مدير الصحيفة المعروف بعلاقاته المتشعبة مع مراكز التفكير والقرار في أوروبا والولايات المتحدة، أن فرنسا قوة أوروبية، أوروبية فقط، تعاني اليوم من مشاكل متعددة، تعود بالأساس إلى عدم قدرتها على استباق التحولات الدولية الجارية حيث ينحو العالم اليوم باتجاه التكتلات متعددة الأقطاب، وهو المعطى الذي رفضت الديبلوماسية الفرنسية الإيمان به، مكتفية بالتموقع لمدة طويلة في الهامش الذي يمنحه لها امتدادها الأطلنتي.
ها هي فرنسا تفشل في إفريقيا التي تعتبرها باريس ميدانها الحيوي. لقد اهتزت بقوة، على المستويات الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية، وذلك بالتهاء حكومة ماكرون، الغارقة في المشاكل الداخلية، والتي لا تملك الموارد ولا الإرادة لابتكار سياسة بديلة. هذا هو الضعف الشديد لفرنسا، والذي لا يمكن تعويضه على الأرجح، يقول المتحدث.
ونبه المتحدث، الى أنه في الوقت الذي تتأخر فيه فرنسا في استيعاب الرؤية المغربية، تمكنت إسبانيا من استغلال الفهم المغربي الجديد للعلاقات الدولية، للانخراط في شراكة ثنائية مربحة للطرفين.