مجلة فرنسية: هذا هو حال الجزائر بعد ثلاث سنوات من الحراك الذي مهّد الطريق لتبون إلى السلطة

Advertisement

باريس- “الشروق نيوز 24”:

“بعد ثلاث سنوات من الحراك الثوري الذي مهد الطريق لعبد المجيد تبون إلى السلطة، كيف هو حال الجزائر؟”. هكذا تساءلت مجلة ‘‘جون أفريك’’ الفرنسية، قائلة في ردها على السؤال، إنه إذا كان المواطنون الجزائريون ما يزالون يكافحون من أجل تحديد ملامح ‘‘الجزائر الجديدة’’. وهو مفهوم اخترعه الرئيس عبد المجيد تبون لتحديد مشروعه الاجتماعي على عكس مشروع النظام السابق، في إشارة إلى أن الوضع السياسي في هذا البلد لم يعد كما كان عند سقوط الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

تم خنق ديناميكية الحراك الشعبي بسبب جائحة كوفيد -19 بالطبع، ولكن أيضا بسبب قمع متظاهري الحراك، بما في ذلك الوجوه البارزة لهذه الحركة الاحتجاجية السلمية، توضح ‘‘جون أفريك’’، معتبرة أن نهاية الحراك -في شكله الأصلي على الأقل- كانت أمرا لا مفر منه منذ أن قررت السلطات أنه لم يعد لديه أي سبب للوجود بمجرد تلبية مطالبه الرئيسية أو في الطريق إلى نحو التحقيق.

وأضافت المجلة الفرنسية أن تبون، الذي كان محل رفض في بداية ولايته الرئاسية، بات اليوم رجل البلاد القوي. فلم تعد سلطته موضع رفض، والعلاقات الجيدة التي يحافظ عليها مع المؤسسة العسكرية –العمود الفقري الحقيقي للنظام- تزيد من ترسيخ سلطته.

وتابعت ‘‘جون أفريك’’ التوضيح، أنه على الصعيد الدولي، فإن القطيعة مع النظام السابق واضحة. فبعد سنوات من الغياب التام، تعود الدبلوماسية الجزائرية إلى الواجهة بقوة، كما يتضح من نشاطها في أفريقيا والشرق الأوسط، والذي يتناقض مع اللامبالاة التي اتسمت بها السنوات الأخيرة من عهد بوتفليقة. علامة أخرى على هذا التجديد الدبلوماسي هي عقد قمة جامعة الدول العربية في الجزائر العاصمة يومي 1 و2 نوفمبر 2022، والتي تعد فرصة للنظام الحالي لإظهار هذا التغيير بوضوح. ولمواجهة نفوذ الخصم المغربي الذي قطع معه العلاقات معه منذ شهر أغسطس عام 2021، توضح المجلة الفرنسية.

ويمكن للذكرى الستين لاستقلال الجزائر أن تجعل من الممكن أيضا إطلاق إصلاح حقيقي وصادق للعلاقات مع فرنسا، من خلال مواصلة وتعزيز العمل على الذاكرة والتاريخ المشتركين للبلدين. ولكن عندما يتعلق الأمر بالمصالحة، هناك طريق طويل لنقطعه، كما تؤكد المجلة.

وعلى الصعيد الداخلي، قالت ‘‘جون إفريك’’ إن هناك قوة مطلقة من حيث السياسة الداخلية، مع العودة القوية على الساحة الدولية. حيث إن ساكن قصر المرادية باتت لديه قبضة حديدية مدهشة للغاية، ولم يعد باستطاعة أي شخص الوقوف في وجهه. فقد قضى على أحزاب المعارضة التقليدية جميعها. أما بالنسبة لشخصيات الحراك التي تحملت التحدي، فقد اختُزلت في الصمت أو انسحبت من الفضاء العام، بينما أصبحت الصحافة المستقلة الناقدة والمعادية أمس، مخدرة اليوم، وفي قبضة مصاعب مالية خطيرة.

ومضت ‘‘جون أفريك’’ إلى القول: “هنا بالتحديد تكمن إحدى الإخفاقات الكبرى في السنتين الأوليين من ولاية تبون، والتي كسرت الزخم الذي بدأه الحراك الشعبي إلى حد تحويل المشهد السياسي إلى صحراء. إن ما جلبه الحراك- تحرير الكلام، وفتح النقاشات في الفضاء العام، وظهور فاعلين جدد في المجتمع المدني من المحتمل أن يُحدثوا التغيير، قد تم القضاء عليه تدريجياً. النتيجة: ظهور نخبة سياسية جديدة، ويجب على الحراك أن ينتظر بضع سنوات أخرى”.

فكثيراً ما يقال إنه عندما تواجه الكهرباء صعوبات اقتصادية وركوداً اجتماعياً، فإن التحسن في أسعار النفط يأتي بمثابة شريان الحياة. لكن في بداية الوباء حدث العكس. تشكل المحروقات المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية في الجزائر، وقد أدى انخفاض سعر البرميل إلى تقويض مواردها المالية، بل وأثار شبح اللجوء إلى الأموال الخارجية.

للتعامل مع هذه الأزمة، كان على السلطات شدّ الأحزمة واتخاذ قرارات الميزانية، توضح المجلة، مضيفة أن التدهور في القوة الشرائية للأسر الجزائرية، والبطالة المتزايدة، وتدهور مناخ الأعمال: يمكن للآثار المشتركة للفيروس والانخفاض الحاد في أسعار النفط أن تعرض السلام الاجتماعي للخطر. لكن القبضة الحديدية للسلطة، وإغلاق الأماكن العامة المخصصة لحرية التعبير، فضلاً عن القمع المستمر منذ عامين، كل ذلك أدى إلى تثبيط أي احتجاج على الأرض.

ثم أتت الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع مذهل في أسعار النفط وخلقت فرصا جديدة في السوق للغاز الجزائري: عاملان يشكلان نفَساً جديداً للبلاد، ويذكران في بعض النواحي بسنوات البذخ في عهد بوتفليقة عندما اقترب سعر البرميل من 120 دولارا. جعلت هذه الزيادة تجديد خزائن الدولة ممكنة، وإزالة شبح العجز المتكرر. ربما قبل ذلك، بدأ الانتعاش الاقتصادي الذي طال انتظاره، تشير ‘‘جون أفريك’’.

وتتساءل المجلة الفرنسية مجدداً: “هل ستبدأ أسس الانتعاش الذي يدعو إليه الجميع في عام 2022، كما تدعمه الحكومة؟ المستقبل القريب سيخبرنا، لكن العديد من الجزائريين فقدوا الإيمان بهذه الوعود التي صاغتها ألف مرة السلطات المتعاقبة ولم تتحقق أبداً.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.