قضية الصحراء.. ووقوع سانشيز بين المطرقة والسندان المتضاربينِ في شمال إفريقيا منذ عقود.. كيف أثر الصراع الذي يعكر أجواء شمال إفريقيا على العلاقات مع إسبانيا وأوروبا؟

Advertisement

علقت الجزائر معاهدة الصداقة مع إسبانيا بسبب تغيير موقف بيدرو سانشيز من قضية الصحراء الغربية، المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو.

وأعلن ذلك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي انتقد الدعم “غير المبرر” لخطة الحكم الذاتي المغربية.

وانتقد تبون الحملة التي تقودها إسبانيا لتبرير تحول سياسي يفترض، بحسب الجزائر، أنه، “انتهاك للالتزامات القانونية والأخلاقية والسياسية” لدولة لا تزال المسؤولة عن “السلطة الإدارية” في الصحراء الغربية.

الصحراء، إسبانيا والمغرب: مفاتيح الصراع

قرار الجزائر، يستند إلى موقف إسبانيا الأخير بشأن الصحراء الغربية، لكن من الضروري العودة بضع سنوات إلى الوراء لفهم الصراع؛ الذي يعكر أجواء شمال إفريقيا منذ سنوات، حتى ألقى بظلاله على إسبانيا وأوروبا. إذ مرت العلاقات بين الجزائر والمغرب على الدوام بأزمات مختلفة تتعلق باختلاف المواقف على حدود الصحراء أو الصراع المسلح على الصحراء الغربية، حيث دعمت الجزائر جبهة البوليساريو ضد المغرب.

وعلى وجه التحديد، بين نيسان/ أبريل وآذار/ مايو 2021، تأثرت الجزائر بالنزاع الذي اندلع بين إسبانيا والمغرب؛ بعد نقل زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، من مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف الجزائرية، إلى مستشفى إسباني، للعلاج من فيروس “كورونا” على متن طائرة طبية جزائرية.

وعلى الرغم من أن رحلة غالي؛ تسببت في توتر خطير في العلاقات بين مدريد والرباط، رحبت الجزائر “بالبادرة الإنسانية الإسبانية” تجاه زعيم جبهة البوليساريو، الذي تمكن أخيرًا من التعافي والعودة إلى مخيمات تندوف.

وفي آب/ أغسطس 2021، كان هناك منعطف مهم آخر؛ فبعد توترات خطيرة واشتباكات حدودية، قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وهو القرار الذي كان له تأثير كبير على إمدادات الغاز الجزائري إلى أوروبا؛ بسبب قرار إغلاق خط أنابيب الغاز المغاربي – الأوروبي، المار من أراضي المغرب.

ومنذ ذلك الحين، وبزيارة وزير الخارجية ودعوة من بيدرو سانشيز إلى الرئيس الجزائري، ضمنت سلطات مدريد استمرار إمدادات الغاز إلى بلادها.

وبعد أشهر، لم يقتنع الجزائريون بتفسيرات السلطة الإسبانية بشأن موقف الحكومة الجديد فيما يتعلق بالصحراء، ولم تمر أشهر حتى أعلنت الجزائر التعليق “الفوري” لمعاهدة الصداقة الموقعة في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2002 في مدريد.

لماذا غيرت حكومة إسبانيا موقفها؟

أدى موقف بيدرو سانشيز بشأن الصحراء الغربية، في ذلك الوقت؛ إلى انتقادات من جبهة البوليساريو، التي رأت أن إسبانيا “تستسلم للضغط والابتزاز” من المغرب.

واتخذت الحكومة الإسبانية منعطفاً سياسياً مفاجئاً في الموقف الذي كانت تتمسك به حتى دومًا في هذا الصراع؛ حيث ظلت مدريد محايدةً ومنحازةً دوما للأمم المتحدة.

وفي تفسيراته الأولى بعد التغيير المفاجئ، أكد سانشيز أنه تم إغلاق أزمة ومشكلة “كان لا بد من حلها”.

“هذه أخبار غير عادية لإسبانيا، لم نغلق الأزمة فحسب، بل وضعنا أيضًا الأسس لعلاقة أكثر صلابة وصدق مع المملكة المغربية “، يضيف الرئيس التنفيذي لحكومة مدريد في تفسيره.

بين المطرقة والسندان

ومن حيث يدري ولا يدري، وقع سانشيز بين المطرقة والسندان، المتضاربينِ في شمال إفريقيا منذ عقود، فإن هو تقرب من الجزائر خسر المغرب، وإن ربح المغرب خسر الجزائر؛ وللدولتين ما لهما للضغط عليه.

وفِي حديث لـ”رأي اليوم”، يرى المحلل السياسي الإسباني، إغناثيو باليرا، أن سانشيز “لم يدرس العواقب المحتملة للتغيير في وضع الصحراء الغربية على إسبانيا على المستويين الوطني والدولي”.

وأكد على أن “المنطقة المغاربية حاسمة لمصلحتنا الدولية”، فضلاً عن كونها منطقة “صراع خطير للغاية يتم فيها التعامل مع العديد من القضايا الحاسمة بالنسبة لأوروبا”.

ويوضح باليرا، أن أهمية تلك القضايا تكمن في “إمدادات الطاقة والهجرة والإرهاب والتبادلات التجارية”، وهناك دولتان رئيسيتان في هذه القضايا، “إسبانيا وفرنسا، لأنهما تمثلان الحدود الجنوبية مع أوروبا”.

وفيما يتعلق بالمغرب والجزائر، “تدير إسبانيا وفرنسا مصالحهما الخاصة، لكنهما تمثلان أيضًا مصلحة الاتحاد الأوروبي في هذا المجال، مما يزيد أيضًا من مسؤوليتنا عن القرارات التي نتخذها بشأن هذا الموضوع”، يضيف المحلل السياسي لـ”رأي اليوم”.

وشدد على أن جميع البلدان لديها بعض “أساسيات سياستها الخارجية التي يجب أن تكون معروفة ومستقرة ودائمة بغض النظر عمن يحكم، مما يجعلها موثوقة”.

وعند إجراء أي تغيير فيما يتعلق بها يجب أن يكون مدعومًا بإجماع داخلي وخارجي كبير، “لا أستطيع أن أتخيل أي رئيس للجمهورية الفرنسية يغير أحد أسس سياسته الخارجية دون إجماع داخلي كبير ودون استشارة الدول المتضررة وشركائها” يضيف المتحدث.

ويزيد قائلًا “لقد حافظ جميع الرؤساء الاسبان عمليا على نفس السياسة تجاه المنطقة المغاربية؛ سياسة صعبة ولكنها أساسية للتوازن والعلاقة الجيدة بين الأطراف المتنازعة: المغرب والجزائر والصحراء”.

كل الرؤساء “مارسوا جميعًا الإجماع لضمان عدم وجود خسارة عند تغيير موقف في الحكومة، ليس فقط لأنه الأفضل لمصلحتنا الوطنية، ولكن لأن ذلك ما يتوقعه المجتمع الدولي من إسبانيا”.

“وعندما تفشل في هذا الدور أو تغير معاييرك دون استشارة أي شخص، فإنك تلحق الضرر ببلدك بشكل غير قابل للإصلاح”، وفق خلاصة المحلل ذاته.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.