كان عنده حلم الطبيب العسكري الشهيد مراد العسكري !!

Advertisement

كل من لديهم إهتمام بالمناضلين، الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحرية و الكرامة و العدالة، يذكرون كلمتين نطق بهما الراحل مارثن لوثر كينغ، و هما : لدي حلم. و في المغرب و إن لم يكن الشهيد مراد الصغير الطبيب العسكري، قد نطق هاتين الكلمتين بنفس البعد الذي كان لدى مارثن، إلا أنه منذ نشر أول فيديوله و هو ببذلته العسكرية، أحس كل من يعاني من الظلم و الإحتقار و الإذلال في المغرب، بأن هذا الطبيب العسكري يحمل رسالة و أمانة في نفس الوقت، أداها على أكمل وجه، إلى غاية آخر لحظة من حياته.
السنوات التي قضاها مراد الصغير في النضال بطريقته، هي أشبه ما يكون بحلقات لمسلسل تلفزيوني، و أملي أن ينصف هذا الرجل و يخلد اسمه في ذاكرة الشعب المغربي، من خلال فيلم أو مسلسل أو كتاب، لأن مصيره هو أشبه ما يكون بمصير الشهيد المهدي بن بركة.
الإثنان كان لديهما حلم في مغرب مستقل يسيره رجال وطنيون أكفاء، يقدمون مصلحة الوطن و الشعب أمام أية مصلحة أخرى، و تتمتع فيه المؤسسات بإستقلالية حقيقية، و يتم توزيع ثروات البلاد بالعدل، كي لا تكون هناك طبقية متوحشة، يدوس فيها القوي على الضعيف بدون رحمة.
الشهيد مراد الصغير قرر يوما ما أن يسير في طريق النضال لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في بلاد يعيش شعبها في العصر الحديث، من خلال المباني و الطرقات و السيارات و المودا، و لكن لا زال يعيش في العصور الوسطى من خلال مظاهر العبودية و الذل و التخلف و الجهل.
و لأجل هذا كان الراحل يحاول قدر المستطاع، نشر التوعية بين من يتابعونه و يقترح عليهم حلا وسطا بديلا، للخروج من الوضعية البئيسة التي يتخبط فيها الشعب المغربي.

لقد كان مراد شجاعا لما غادر المؤسسة العسكرية، التي كان يعشقها بالتأكيد ، ويعشق مهنته فيها كطبيب عسكري. لكن في بعض الأحيان عندما تلتقي الشجاعة بالسذاجة، تكون النهاية مأساوية.
لهذا جميع المغاربة الذين كانوا يتابعونه متفقون على أنه ارتكب خطأ قاتلا لما عاد إلى المغرب، في الوقت الذي كان عليه أن يركز أولا في الحصول على اللجوء السياسي في دولة آمنة و يستقر بها، قبل أن يخوض المعركة ضد الوحش المخزني.
لقد كان إنسانا طيبا و حساسا و يحمل في قلبه بذور الإنسانية و الرحمة، و هذا ما يجب أن يتوفر في كل طبيب سواء كان عسكريا أو مدنيا. كما أنه كان شخصا مثقفا و مطلعا على العديد من الأمور التي يجهلها الكثير من المغاربة، محاولا فتح أعينهم ليعرفوا ما يدور حولهم و ليكونوا مستعدين لكل طارئ في عالم مضطرب يواجه تهديدات متعددة.
الكثيرون بما في ذلك المناهضون للملكية في المغرب، يجمعون على أن الشهيد مراد كان ملكيا و يدعو المغاربة في أكثر من مناسبة للإتلاف حول الملك و مساندته، مبرزا أن الملك يستمد قوته من قوة المغاربة الملكيين.
إلا أن هذا الخطاب المفروض أن يشكل له حماية من المضايقات و الملاحقات، لم يشفع له في شيء، لأن جهة معينة، قد تكون البنية السرية أو عنصرا فيها، لا يهمها أن تنتقد الملك أو تشتمه حتى، طالما أن ذلك لن يضعها تحت الأضواء الكاشفة أو يحرض عليها.
و لهذا وجد نفسه كمن سبقوه ممن يسمونهم المشاغبين في مرمى تلك الجهة، التي كررت نفس السيناريوهات السابقة المعروفة، من خلال شكاية تتهمه بإتهام عقوبته في القانون الجنائي الإعدام من طرف شخص مقيم في الخارج، علما أن مثل هذه التهم، القضاء هو الذي يوجهها بناء على تقارير للمخا برات ومحاضر الشرطة القضائية التي تبحث مع المتهم في المنسوب إليه، معززة بالأدلة التي تثبت إرتكابه لتلك الجريمة.
لهذا قلت سابقا بأن الراحل مراد كان ساذجا، بحيث بمجرد علمه بنوع التهمة التي لفقت له، كان عليه الحصول على تذكرة سفر لأية دولة لا يستدعي السفر إليها الحصول على تأشيرة، ثم ترتيب أموره فيما بعد، خصوصا و أن في تلك اللحظات الأولى من البحث التمهيدي، لم يسحب منه جواز سفره.
الآن و قد رحل عن دار الفناء، لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلا لأجل إستخلاص الدروس و العبر. و ما يمكن إستخلاصه هو أن الشعب المغربي الذي قدم تضحيات كبيرة من أجل الحرية و الكرامة، لم يحظى بأي فرصة ليكون مستقلا و حرا، له كامل السيادة على أرضه و على مستقبله.
بل تعرض لمؤامرة من طرف الخونة و الإنتهازيين الذين قبلوا استمرار القوى الإستعمارية في إستغلال البلاد و العباد، في إطار استعمار بالوكالة، مقابل أن يحظوا بالمكانة العالية في البلاد و الإستفادة من كثير من الامتيازات التي تمكنهم من مراكمة الثروات و العيش في البذخ المثير للاشمئزاز كما قال الراحل عبد الرحيم بوعبيد في أحد لقاءاته مع صحفي أجنبي، بعيد المحاولة الإنقلابية الثانية على الحسن الثاني.
كما أن ما تعرض له الشهيد مراد، رسالة واضحة مفادها، أن الملك ليس بدرع واقي لأي مواطن مغربي عادي أو أي صحفي أو إعلامي أو ناشط أو زعيم حزب أو نقابي. يمكنهم أن يعبروا بكل الوسائل عن إخلاصهم للملك و للملكية، كما يفعل عبد الإله بن كيران مثلا، و لكن إذا اقتضى الحال فالسجن في الإنتظار كما وقع لمحمد زيان أو التصفية الجسدية كما وقع للشهيد مراد الصغير. وقد يتساءل أي مغربي، لماذا يأكل النظام أبناءه البررة الأوفياء للملك و العرش.
و الجواب ، هو أن النظام يخشى المطبلين أكثر مما يخشى الذين يعارضونه ، لأن المطبل مصنف كإنتهازي ووصولي، يبدي في العلن عكس ما في قلبه و هو مستعد ليطبل لأي شخص أو جهة يرى أن لديها نفوذا و قوة ، و المخزن يعرف هذا الأمر و يعيه جيدا ، لأن المطبل اليوم إذا ما إنقلبت الأوضاع سيقلب سترته هو الآخر. و تذكرون أن مراد في أحد فيديوهاته القديمة، قال بأن في المغرب جمهورية و لكنها غير معلنة حتى حميد المهداوي لديه فيديو يتساءل فيه، هل يوجد في العالم دولة ديمقراطية واحدة يحتكر فيها شخص واحد كل السلطات و هو الملك بطبيعة الحال.

لهذا النظام غالبا ما يلجأ لاحتواء الأصوات المؤثرة، و هو على علم بأنها ناقمة و غير راضية على الأوضاع و تعرف من المسؤول و أين يكمن الخلل، لكنها تتعامل مع أولائك المؤثرين و تستغلهم طالما يبدون الخضوع، و لكن في حالة استعصى عليهم الأمر، فالسجن في الإنتظار أو الإغتيال، و هو ما أشار إليه مراد بقوله رحمه الله : وجدو ريوسكم إما للسجن أو الإغتيال.
هل كان مجرد إستنتاج أو إحساس أو معلومات حصل عليها ؟. لا أحد يعلم، لكن الذي نعرفه هو أن النظام الحاكم في المغرب، كلما إستشعر الخطر يتهدده يقوم بتصفية كل من يشم فيه رائحة الخطر،
حتى لو كان في خدمة النظام و لا يعاديه ، مجرد رأي أو ملاحظة أو كلمة، كفيل بأن يدفعه لإرتكاب الحماقات المعتادة، التي بواسطتها يحافظ على سلطة سرقها من الشعب بإستخدام الدين كي يضفي عليها الشرعية.
لا شك أن كثيرا من المغاربة، و هم متيقنون بأن الشهيد مراد الصغير قد تمت تصفيته جسديا، يتساءلون عن الدوافع التي أدت لارتكاب هذه الجريمة في حقه ؟؟ ، مع أنه إنسان مسالم، لا يريد سوى الإصلاح للبلاد و للعباد؟. الدوافع كثيرة و أولها أنه كان ينتمي للمؤسسة العسكرية التي كانت ستقلب النظام الملكي في مناسبتين و ربما أكثر. لما كان خارج المغرب كان في أمان، لأن أي إعتداء ضده كان سينسب مباشرة للنظام.
لما عاد إلى المغرب تفاجأ الكثيرون، و لا أحد فهم كيف تم ذلك و بأية ضمانات. ثم هناك أيضا تواصله مع العدو اللذوذ للنظام، الصحفي علي لمرابط، الذي لا يجب الاقتراب منه أو التعامل معه، كما قال هو نفسه في أكثر من مناسبة. أما كلام مراد عن المؤسسة العسكرية، التي يسمونها اليوم جيش مريم، فهو في حد ذاته تجاوز للخط الأحمر، لأن أكثر ما يرعب النظام الحاكم هو الجيش، بحكم توفره على السلاح و قدرته على السيطرة بسرعة على كل منافذ البلاد و القيام بالإعتقالات في كل مكان،
ولهذا السبب يتم تمديد النزاع في الصحراء لكي يبقى الجيش بعيدا عما يجري داخل البلاد ، ناهيك عن تطرقه للعلاقات مع الكيان الصهيوني. و هنا يتعين علينا أن نوضح أمرا في ظل هذا المستجد.
لم يعد يكفي أن تبدي ولاءك للملك و للملكية و لكن يجب أن تزيد على ذلك ولاءك للكيان الصهيوني من خلال الاستسلام و الانبطاح الرسمي، الذي يسمونه تطبيعا.

يمكن للنظام الحاكم أن يسكت صوتا أو أكثر، لكنه لن يستطيع إسكات جميع الأصوات ، لقد تخلص جسديا من العديد من المغاربة و أقبرهم، في حين عجز عن التخلص من التبعية للقوى الأجنبية، و لم يتمكن من إقبار الفوارق الإجتماعية و الفقر و الفساد و الأمية و التخلف.
في الأخير لا يسعنا إلا أن ندعو لأخينا الشهيد مراد الصغير بالرحمة و المغفرة، و نحن على يقين بأنه فاز في دنياه و آخرته، كونه عاش بقلب يشع منه نور الإنسانية و ضمير حي رافض لكل أشكال الظلم و الفساد، ولم يبخل على متابعيه بأي معلومات تفيدهم صحيا، و هو حقا خسارة للشعب المغربي الذي هو في أمس الحاجة لأمثاله من الرجال، الذي كان له حلم لا أحد يعلم إن كان سيتحقق يوما ما أم لا.

عادل مروان

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.