لحن الحرية.. حين تمارس الشعوب السياسة في الملاعب !!

Advertisement

عبد الرحيم صادقي …

حين غنّى ألتراس هيركوليس (Hercules) أغنية “بلاد الحكرة” لخّص مأساة شعب. وحين غنّى الرجاويون “في بلادي ظلموني” تردّد صدى الأغنية في ربوع البلدان العربية. إنها الممارسة السياسية على نحو مختلف. في مدرجات الملاعب جرى التصويت المباشر على قضايا الشعب، وصدحت الحناجر معلنة إفلاس النخبة السياسية. وفي المدرجات أخلى الانتماء الحزبي المكانَ للإنتماء الشعبي.

هنا في برلمان الهواء الطلق عبّر الجمهور عن الهم العربي من المحيط إلى الخليج. فمَن ذا يزعم أن ربيع العرب إنتهى؟ لئن خلت الشوارع فقد غصّت المدرجات، ولا تعدم الكلمةُ الحرة المنافذَ والدروب. هي الشعارات نفسها، والآلام عينها، والأمل ذاته. هي ذي كلمات الطنجويين تحكي المعاناة:

هادِي بلادْ الحُكْرَه .. ودْموعنا فيها سَالو

العِيشة فيها مُرّه .. ما كذْبوشِ اللّي قالو

قتْلونا بالهَضْرَه .. ما شفْنا فيها والو

في موازين “شاكيرا” .. راها دّاتْ مليارْ
وحْنا طلبْناها صغيرَه .. كْوِيتُونا بالأسعارْ

بربّي مَافْيَا كبيرَه .. كولْشِي ولّى شَفّارْ

ها هي ذي الجماهير تُدين الفساد، وتطلب العدل والكرامة. وفي مكان يُفترض أنه للسّلوان والترويح عن النفس علت الأصوات تعبّر عن المكنون بلا وصاية. إنهم مشجعون من نوع خاص، ربما أيقنوا أن اللهو مع ضياع الحقوق تخدير، وأن في لهوِ الشعوب مصلحة للحكام. أليست مصائب قوم عند قوم فوائد؟ وفي أغنية “ولد الشعب يغني” تنطلق الكلمة الصادقة بلا زيف :

لا صحّة لا تَعليمْ .. غِي الرّشوة والفسَادْ

صابْرين وربّي كريمْ .. واكْلين حقّ العبادْ

يا اللّي قلبي بْغاها .. يبقى قلبي معها

أنا قاطعْ البحورْ

بِيرْدُونا يا يمّا .. والله ماشِي بْخَاطري

لا خَدمَه لا رَدْمَه .. وبْغاوْني نكون عسكري

حبّ الوطن في القلبْ .. يعلمْ به غير الرّبْ

هو الإعتذار للأم، والبوح بحب الوطن، لكن لا مناص من الهجرة. وغير بعيد عن المغرب غنّت مولودية الجزائر “في سوق الليل”، وغنى إتحاد الحراش “شْكُون سْبَابنا”، وردّدَ شباب بلوزداد “يا ناس يا ناس”، وأنشد نصر حسين داي “بلادنا من بَكْري مخدوعَه”، وغنى إتحاد العاصمة “بابور اللوح”. أما “رجاوي فلسطيني” فأبت إلا أن ترسّخ عالمية الفريق البيضاوي. ففي الوقت الذي كان “هلال القدس” يلاعب فيه “الرجاء”، ارتأتِ الجماهير أن تغني لفلسطين:

يا اللّي عْليك القلب حزينْ

وهادي سْنينْ .. تَدْمع العينْ

الحبيبة يا فلسطينْ

آه يا وِينْ .. العربْ نايْمينْ

آه يا زينة البُلدانْ .. قاوْمي ربّي يحْميكْ

من ظلم الإخوة العَدْيانْ .. واليهود اللّي طامعين فيكْ

ما نسْمَح فيك يا غزة .. “مَالَكْرِي” عليّ بعيدَه

يا رفح ورام الله .. أمّتنا راهَا مْريضَه

مرّضوها بالمشاكلْ .. وفساد الحكوماتْ

والعربي عايِش في الويلْ .. مستقبلْ كُلّه ظلماتْ

حبّيت نمشي شْكونْ يَدّيني

رجاوي فلسطيني

ثم جاء “التيفو” “متى النصر” ليزيّن المدرجات، وتوسّطَ “حنظلة” اللوحة بكل فخر شاهدا أن “ناجي العلي” لم يمت، وأنّ القضية الفلسطينية باقية. وليس الأمر مجرد تذكيرِ العالمِ بقضية الشعب المرابط وحسب، ولا التنديد بتخاذل الأشقاء فقط، وإنما هي الرغبة في الرحيل إلى أرض الرباط، ومقارعة العدو مقارعة الأبطال. ولا عجب! إذ كيف يُقدَّم نصر الفريق على نصر الأمة؟ وكيف تُفضَّل مباراة الملاعب على مباراة العزة والشرف؟ ولا عجب كذلك أن صار الألتراس يُنغّص عيش الحاكم العربي، ويثير توجّسه ويقضّ عليه مضجعَه. فالتنظيم وحده يخيف، فكيف إذا أضيفت إليه فكرة التحرر؟! لم يدُرْ بخَلَد القائمين على الأمر أن تَحمل جمعيات رياضية همّ المستضعفين، وتصير لسان شعوب تتوق إلى الكرامة، وتتنسّم أريج الحرية.

لكن العجيب أن ترى السلطةُ مسلكَ الألتراس هذا غوغائية لا وعيا سياسيا، وهي التي ما فتِئت تحضّ المواطنين على الترشّح والانتخاب، وتتبرّم من العزوف عن السياسة والسياسيين! لكنّ سياسةَ الألتراس لم تخلُ من جِدّة وإبداع، ففيها الرياضة والمتعة والاحتجاج والرقابة والمحاسبة والمطالب الاجتماعية، وفيها التنديد الضّمني بالقنوات السياسية الرسمية، وفيها سحبُ الثقة من السياسي المحترف. إنه وعي سياسي مخيف، ومفهوم جديد للممارسة السياسية! حتى إنه يصحّ أن نقول: إذا كانت إيطاليا مهد الألتراس فإن الوطن العربي منشأ الألتراس السياسي.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.