لماذا أرى أن ألية اشتغال حكومة أخنوش تقوم على قاعدتين: “إقتصاد الهمزة” و”كم من حاجة قضيناها بتركها”؟
الدكتور طارق ليساوي
أشرت في مقال “صفقة الديزل الروسي و زواج السلطان بالتجارة..” إلى أن السيد أخنوش غير مؤهل لرئاسة الحكومة نظرا لتضارب المصالح و تناسل الشبهات عن تورطه في عمليات و ممارسات تجارية يجرمها القانون، فالفساد في أي أمة يبدأ من رأسها، ومن أبرز و أخطر مظاهر هذا الفساد تحول الحكام والوزراء والولاة إلى تُجار، أو جمعهم بين السلطان والتجارة، وهذه الظاهرة لا تخص بلدًا بعينه، بل تكاد من “عموم البلوي”… و هذا الأمر تناوله بتفصيل العلامة ” ابن خلدون” عندما حذر في مقدمته من الجمع بين الحكم والتجارة، مبينا أن صاحب الجاه (السلطة) يستفيد بنفوذه في صنع ثروته وهو ما يشكل تهديدا مزدوجا للمال والسلطة وينذر بخراب العمران.
والتركيز على السيد أخنوش و تضارب المصالح فرضته الظرفية الاقتصادية و الاجتماعية التي تمر بها البلاد، بل و طبيعة المتغيرات الدولية المصحوبة بتضخم جامح و ارتفاع مهول في أغلب السلع الأساسية، و تزامنا مع الارتفاع المهول لأسعار المحروقات تدخلت حكومات العديد من البلدان التي تحترم نفسها و شعبها لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، فإيطاليا مثلا خصصت حكومتها ما يقرب من 30 مليار أورو لدعم الأسر والشركات في مواجهة ارتفاع أسعار النفط. نفس الأمر اعتمدته فرنسا وألمانيا و ماليزيا والعديد من الدول، بينما في المغرب حكومة أخنوش إلتزمت الصمت وتعمل بقاعدة ” كم من حاجة قضيناها بتركها”، وتركت الأمر “لليد الخفية” تتحكم في الأسعار صعودا، وعجزت عن اتخاذ تدابير استعجالية واستثنائية لمواجهة هذا الصعود الجامح ، و الحد من أثار التضخم و من ذلك مثلا إعادة تشغيل مصفاة لا سامير بشكل إستعجالي خدمة للصالح العام، و تعليق قرار تحرير سعر المحروقات و تسقيف السعر، وفرض ضرائب تصاعدية على شركات المحروقات و الحلول متعددة و متنوعة لكن هناك تضارب للمصالح.
لذلك، منذ بداية أزمة ارتفاع الأسعار و التي بدأت منذ لحظة ميلاد حكومة أخنوش و تحديدا منذ شهر أبريل 2022 تصاعدت حدة الجدل حول تضارب المصالح وزواج المال والسلطة بالنسبة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، بل و تجاوز الاهتمام بالموضوع حدود المغرب، و أصبح هذا الموضوع مادة دسمة للصحافة الوطنية والدولية، فقد لخصت مجلة “تيل كيل” الإشكالية بسهولة وعمق حين نشرت على غلافها للعدد رقم 993 صورة لعزيز أخنوش بوجهين وجه رئيس حكومة مستسلم لا يحرك ساكنا ولا يبالي أمام ارتفاع أسعار المحروقات ووجه رجل أعمال سعيد وضاحك يساعده الوضع في مراكمة الأرباح والأموال. فرغم جائحة كورونا ورغم أزمات الاقتصاد المغربي فثروة أخنوش تضاعفت خلال السنتين الماضيتين حسب مجلة “فوربس” الأمريكية حيث تجاوزت سقف 2 مليار دولار بحلول سنة 2022.
ad
كما نشرت جريدة “لوموند” مقالا مطولا أشارت فيه إلى تضارب المصالح بالنسبة لأخنوش باعتباره في نفس الوقت رئيسا للحكومة ومالكا لإحدى أكبر شركات المحروقات التي تراكم أرباحا كبيرة بشكل يعتبره الكثيرين غير شرعي وغير مقبول، أرباح فاقت حسب بعض المختصين 45 مليار درهم منذ التحرير وحتى نهاية سنة 2021.
لكن فضائح حكومة عزيز أخنوش تكاد لا تنتهي، و لا تقتصر على المحروقات بل تشمل قطاعات أخرى، فبعد أن تناولت في المقال أعلاه فضيحة الديزل الروسي سأحاول في هذا المقال رصد فضيحة أخرى من فضائح حكومة ” البيزنس” و إقتصاد ” الهمزة” ( و لمن لا يفهم كلمة الهمزة، فهي تعني اقتناص الفرص والاستفادة من أزمة ما لتحقيق مكسب مادي على حساب الأخرين بشكل غير مشروع أو فيه شبهة استغلال) ، وهذا الأمر لا يقتصر على رئيس الحكومة بل يشمل شخصيات و جهات أخرى فكما أشرت الظاهرة تكاد تكون من “عموم البلوي”…
ومن آخر هذه الفضائح وليس آخرها، الجدل الدائر بالمغرب وخاصة بوسائط التواصل الاجتماعي حول تسريب الحكومة لمعلومة عزمها استيراد الأبقار من الخارج لأجل بيع لحومها في السوق الداخلية.
و هذه الأبقار التي تم استيرادها من البرازيل و بلدان أخرى معفية من الضرائب، و قد سبق لوزير الفلاحة أن تحدث عن استيراد 40 ألف رأس من الأبقار، وأول دفعة وصلت في الأسابيع الماضية وتم ذبحها بمنطقة بني ملال خنيفرة، حيث صرح السيد “عبد الرحيم الشطبي” ، بصفته مدير عام وحدة إنتاج هي الأكبر للحوم الحمراء بالجهة، في تصريح مصور لجريدة “هسبريس” الإلكترونية ، أن الأبقار المذبوحة معفية من الجمارك والضرائب.
و السيد “عبد الرحيم الشطبي”، يستفيد من دعم المخطط الأخضر، بحكم أن وحدته الإنتاجية لها صفة وحدة انتاج مندمجة، ومن الناحية الحزبية فهو ينتمي لحزب السيد أخنوش، و يتحمل مسؤولية المنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار ببني ملال خنيفرة، وسياسيا هو النائب الأول لرئيس مجلس الجهة عن حزب رئيس الحكومة.
و مما يثير مزيدا من الشك فإن الحكومة صادقت بتاريخ 26 يناير على رفع الرسوم عن الأبقار المستوردة، وأن أول دفعة وصلت بتاريخ 9 فبراير من البرازيل، وفق ما تم تداوله في فيديو يوثق العملي و متداول على و سائط التواصل الاجتماعي.
وقد أشار المقطع إلى أن نقل العجول أو الأبقار من البرازيل إلى المغرب لا يمكن أن يتم في أقل من 15 يوما، وأن المدة ما بين إعلان الحكومة عن القرار وتاريخ وصول أول دفعة غير كافية، هذا إن إفترضنا أن بدء الطلب تم في اليوم الأول للإعلان الرسمي عن القرار..
و هذا يقود بإتجاه الشك بأن الموردين ومنهم هذا المورد المحظوظ، كانوا على علم بالقرار، وتم طلب استيراد الأبقار من البرازيل قبل الإعلان الحكومي الرسمي.
ومن حيث الكلفة، فإن كلفة الكيلوغرام الواحد من اللحوم القادمة من البرازيل، إن أضفنا لها كلفة الشحن والنقل وغيرها، سيصل في أكثر الحالات إلى 38 درهم للكلغ الواحد بالمغرب، وأن هذا يعني أن قلة من المحظوظين سيحققون أرباحا كبيرة وخيالية بعد البيع بالمغرب، بحكم أن المعلومة كانت لديهم دون غيرهم من عموم المواطنين والمستثمرين…
فهل تستطيع حكومة أخنوش أن ترد على ما يثار من قضايا، ومنها ما تعلق بالواقعة أعلاه، أم ستلوذ إلى الصمت والتهرب من المسؤولية والاستمرار في سياسة الإلهاء؟!متى سيم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ متى سنرى في بلادنا تفعيل لسؤال من أين لك هذا؟
فمن المؤكد أن البلاد بها مسؤوليين عموميين نزهاء و يتعففون عن استغلال المنصب العمومي ، كما أن هناك رجال أعمال و طنيين و يتورعون عن تلويث ثروتهم بشبهة الفساد السياسي، فنحن ندرك جيدا أن رجل الأعمال يمكن ان يدير منصب حكومي و يدخل للسياسة عبر صناديق الاقتراع ، و لكن ينبغي ضبط هذا الرغبة بالقوانين الصارمة التي تمنع الوقوع في المحظور و تعيق تضارب المصالح ..فأغلب الحكومات في العالم تسجل وجود رجال أعمال ، لكن من الصعب أن يتم السكوت أو التعاطف مع استغلال مناصبهم العمومية لتحقيق مكاسب شخصية ، فالقوانين بهذه البلدان صارمة ، لكن للأسف في المغرب أصبحنا أمام ظاهرة التطبيع و التعاطف و التسامح مع ناهبي المال العام ، بل لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع فضيحة اختلاس ملايين الدراهم من المال العمومي ، و حتى إذا تمت متابعة المختلس فإن الحكم يكون مخفف جدا ..لذلك و أنا أتابع الوضع في المغرب أستحضر تجربة الصين في مكافحة الفساد ، و بصدق ما أحوجنا لتجربتها في معاقبة الفاسدين ..!!
و في الختام ، فالغاية من طرح هذه القضايا ليس تشويه صورة البلاد كما يتهمني بعض المغاربة، فهؤلاء لصوص المال العام هم من يشوهون البلاد و يضرون بالعباد ، و من يتورع عن استغلال المنصب العمومي لتخقيق مكسب خاص و يقبل مد يده للمال العام فهو ” لص” و هذا أمر مؤكد بنظري –شرعا و قانونا- أما كاتب المقال فمنذ نحو عقد و إلى اليوم يرفض المنصب العمومي، و التدريس بالجامعة لا يعد مغنما فهو بنظري مغرم ، و إختار التجارة لأنها المصدر الطبيعي و المشروع لبناء “الثروة الحلال”، أما الوظيفة فهي تظل إجارة مهما كان أجرها، اللهم إلا إذا تم استغلال المنصب العمومي لتحقيق مكاسب خاصة ، و حينئذ يمكن للمرء الحصول على أموال سهلة لكنها من “سحت و حرام” ف”الغنم بالغرم ” ..
غايتي أيها السادة ، توثيق هذه الوقائع للتاريخ ، و تنوير الرأي العام و إفهام الأغلبية الصامتة بحقيقة خطر زواج السلطة بالمال، و إبراء ذمتي أمام الله تعالى ، فشخصيا ليس لي معرفة أو عداوة بأخنوش أو غيره، ما يهمني هو مصير الوطن و مستقبله ، لأن لي مصالح و جذور عميقة و عريقة في هذا الوطن، و يهمني استقراره و أمنه و سعادة و رفاه أغلب مواطنيه ، لأني أومن بالمثل القائل ” خربة في وسط الديور دار ، و دار في وسط الخرب خربة” بمعنى مهما وصلنا لمستويات أكاديمية و مهنية و مالية و قل ما تشاء، و ما دمت منتمي لوطن هش ،و غالبية أهله تعيش الفقر و العوز و الظلم فأنت بدورك متضرر و فرص نجاحك و استمرارك و استقرارك و توسعك تتضاءل، و بلغة الاقتصاد لأن مناخ الاستثمار معيق و غير داعم..
أما إذا كان الوطن ناجح و البيئة الحاضنة داعمة فإن الانسان المحدود الدراية و المواهب و الموارد أو العاجز أو المتعثر فسيجد فرص للنمو و التقدم …فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما بناء وطن يصلح للعيش لنا و لأبناءنا و أحفادنا أو البحث عن ملاذ أخر بمعنى هجرة الوطن ، و للأسف هذا الخيار سهل و متاح لكن أرى أنه خيار “المنهزم و الهارب” ، لذلك لست متفق مع هجرة شبابنا للضفة الأخرى هروبا من الفقر و العوز ، ففرص العمل متاحة بدليل أن الأفارقة أصبحوا يستوطنون المغرب و يشتغلون في قطاعات عدة و منها الفلاحة و البناء و مراكز الاتصال و يبنون أسر في المغرب و يتزوجون بمغربيات و يشترون العقار بينما شباب المغرب يبحث عن الهجرة للخارج في مفارقة غريبة تصدير الشباب المغاربة و إستيراد الأفارقة ، فإلى أين تتجه البلاد ؟! ..و سأحاول تفصيل هذا الموضوع في مقال موالي إن شاء الله تعالى .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..
إعلامي و أكاديمي متخصص في الإقتصاد الصيني و الشرق ٱسيوي. أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة…