لماذا تستفزّنا رسالة التهنئة التي أرسلها بايدن إلى دولة الاحتِلال في “عيد استِقلالها” الـ 75؟ وكيف جاءت كلماتها “خشبيّةً” فاقدة أيّ مِصداقيّة؟ وهل ستبقى دولة اسمها “إسرائيل” ليُهنّئها بالعيد الثّمانين إذا فاز بالانتخابات القادمة؟ وما هو السّؤال الذي نتمنّى عليه إجابته؟
مع نُزول آلاف الاسرائيليين الصهاينة إلى ميادين وشوارع مدينة تل أبيب احتجاجًا على حُكومة بنيامين نِتنياهو الفاشيّة وإصلاحاتها القضائيّة، وجّه الرئيس الأمريكي جو بايدن “رسالة تحيّة” نيابةً عن الشعب الأمريكي إلى “نظيره” الإسرائيلي بمُناسبة الاحتفال بالذّكرى الـ 75 “بعيد الاستِقلال” وهنّأه برحلتهم “الرّائعة”، وسلّط الأضواء على اللّحظة التاريخيّة لما قاله ديفيد بن غوريون عام 1948 (يوم النكبة) عندما أعلن “إقامة دولة تقوم على مبادئ الحُريّة، والعدالة والسّلام”.
في رسالته المذكورة آنفًا، لم يتطرّق بايدن الذي قال أثناء زيارته لفِلسطين المُحتلّة العام الماضي، إلى زيف المبادئ التي قامت عليها هذه الدّولة العُنصريّة والارهابيّة، وهي الحُريّة والعدالة والسّلام، ولم يتوقّف أيضًا عند أيّ من محطّات هذه الرّحلة “الرّائعة” التي امتدّت لـ75 عامًا، والحُروب التي أدّت إلى الاحتِلال والاستيطان واستشهاد مِئات الآلاف من العرب، والفِلسطينيين خاصَّةً، سقطوا جميعًا برصاصِ الدّعم الأمريكي وصواريخه.
بايدن الذي تباهى في تصريحه أثناء وصوله إلى مطار اللّد في حينها بأنّه صُهيوني وقال “لا يتعيّن على المرء أن يكون يهوديًّا لكيّ يكون صُهيونيًّا”، لم يتطرّق في تهنئته إلى المجازر التي يرتكبها “أقرانه” الصّهاينة في حقّ الشّعب الفِلسطيني الخاضِع لاحتِلال الدّولة الديمقراطيّة القائمة على مبادئ الحُريّة والعدالة والسّلام، ولا لمجازر دول الجِوار في سورية ومِصر والأردن ابتداءً من قانا في لبنان وانتهاءً بمدرسة بحر البقر في مِصر الشّقيقة.
دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي يُشارك بايدن في احتِفالاتها بتعزيز الدّعم العسكري والاستيطان، تُواجه هذه الأيّام انهيارًا داخليًّا، وتهديدًا وجوديًّا خارجيًّا، وقُدرتها على الرّدع تآكلت بفِعل صواريخ المُقاومة، ورجالها على كُلّ الجبهات ومن كُلّ الاتّجاهات، ولم تعد الطّائرات الأمريكيّة المُتطوّرة تُعطي مفعولها مثلما كان عليه الحال في السّابق، فمَن يرفض السّلام والتّعايش والانسِحاب من الأراضي المُحتلّة لن يعرف الأمن والاستِقرار.
ad
والأهم من كُل ذلك، إن الشّعب الفِلسطيني الذي خدعته أمريكا والعالم الغربي “المُتحضّر” بأكاذيب المُفاوضات، والحِوار مع العدوّ باعتِباره أقصر الطّرق لحلّ الدّولتين وإقامة دولته المُستقلّة، عادَ إلى ينابيعه الأولى، وباتت كتائبه تلجأ إلى السّلاح مُكرَهةً، لاستِعادة حُقوقه المُغتصبة وتحرير أرضه، بعد تبخّر كُل الخِيارات الأُخرى.
ما يُثير السّخرية في رسالةِ تهنئةِ بايدن قوله فيها إنه سيُواصل جُهوده لإدخال “إسرائيل” في ترتيباتٍ أمنيّةٍ إقليميّة (أيّ التطبيع) مع الدول العربيّة وينسى أن الزّمن تغيّر، وأن مُعظم الدّول العربيّة باتت تُدير الظّهر للولايات المتحدة نفسها، وتتنصّل بشَكلٍ تدريجيٍّ مُتسارعٍ من التّحالف معها، وتنضم إلى هجرةٍ جماعيّةٍ دوليّةٍ نحو منظومتيّ “البريكس” و”شنغهاي” بزعامة كُل من الصين وروسيا لتقويض الهيمنة الغربيّة الماليّة والعسكريّة على العالم بأسْرِه، وليس مِنطقة الشّرق الأوسط فقط.
الرئيس بايدن أعلن رسميًّا ترشّحه لتمثيل حزبه الديمقراطي في خوض الانتخابات الرئاسيّة القادمة، ولا نستطيع أن نتنبّأ بنتائجها مُسبَقًا، ولكنّ السّؤال الذي نطرحه على الرئيس بايدن هو هل سيجد دولة اسمها “إسرائيل” لكي يُرسل إليها رسالة تهنئة في عيد ميلادها الثّمانين، أيّ بعد خمس سنوات، وإذا وُجدت، وهذا ما نشكّ فيه مِثل الكثير من المسؤولين والجِنرالات الإسرائيليين، كيف سيكون حالها، وما هي الكلمات التي ستتضمّنها رسالته حول تجربتها “الرائعة”؟.
نترك الإجابة للرئيس بايدن، ومن تبقّى من حُلفائه العرب المُستظلّين بمظلّة دولته وحِمايتها، الذين تتناقص أعدادهم بسُرعةٍ يومًا بعد آخَر.. واللُه أعلم.