لماذا ننظر بـ”تفاؤلٍ حَذِر” لخطوة الأمير بن سلمان المُفاجئة بعَزلِ هادي وتعيين رئيس يمني بديل مكانه؟ ولماذا تُذكّرنا باستِقالة الحريري؟ وكيف نُقيّم احتِمالات النّجاح والفشَل ونقرأ بلّورة المُستقبل؟

Advertisement

عبد الباري عطوان

تكمن أهميّة، وخُطورة المجلس القيادي الرئاسي الذي أصدر الرئيس اليمني “المعزول” عبد ربه منصور هادي قرارًا بتشكيله فجر اليوم الخميس في “توحيده” لمُعظم ألوان الطّيف القبَلي والجُغرافي والسياسي اليمني، إن لم يكن جميعها في جبهةٍ واحدة في مُواجهة حركة “أنصار الله” الحوثيّة، ونقل “الشرعيّة” إليها، ودعم هذا الكيان السّياسيّ الجديد بثلاثة مِليار دولار من الدّولتين الراعيّتين، أيّ السعوديّة والإمارات.

ربّما يكون الأمير محمد بن سلمان الذي فاجَأ الجميع بهذه الخطوة “الذكيّة”، قد تخلّص من عبء الرئيس هادي، ونائبه “القويّ” الجِنرال علي محسن الأحمر، ولكن يظل هُناك تحدّيان رئيسيّان أمام هذا المجلس الرئاسي، الأوّل تماسُكه واستِمرار تآلف أعضائه، ووضعهم طُموحاتهم السلطويّة جانبًا، والثاني والأهم مُوافقة حركة “أنصار الله” الحوثيّة وحُكومتها في صنعاء على الاعتِراف به، والتّفاوض معه بالتّالي.

 

هذا المجلس الرئاسي الذي اختار له الرّاعيان السعودي والإماراتي الدكتور رشاد العليمي رئيسًا “توافقيًّا” يَضُم ثمانية أعضاء، أربعة من الشّمال وأربعة آخرين من الجنوب، القاسِم المُشترك بينهم هو الخلفيّة العسكريّة والأمنيّة، والانخِراط في مُواجهاتٍ ضدّ الحوثيين.

خلطة سياسيّة، وجغرافيّة، وقبليّة تضم انفصاليين، وإسلاميين، وقبائليين، وعلمانيين، وشُيوخ قبائل، وقادة ميليشيات، اللُّحمة الوحيدة التي تجمعهم هي العداء لحركة “أنصار الله” والرّفض المبدئي والعقائدي للتّعايش معها، أو الانضِواء تحت قِيادتها باعتبارها الطّرف الأقوى على  الأرض حتى الآن على الأقل.

الوقوف “الأخير” للرئيس هادي أمام عدسات التّلفزة، وقراءته لبيان “عزله” وإعلانه تأسيس المجلس القيادي الرئاسي الجديد، وتنازله عن كُل صلاحيّاته له “ودُون رجعه”، يُعيد إلى ذاكرتنا موقفًا مُماثلًا للسيّد سعد الحريري رئيس وزراء لبنان في حينها عندما قرَأ مُكْرَهًا، ومُهانًا، لبيان استقالته من الحُكومة، وخُضوعه للإقامة الجبريّة، ولولا تدخّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لما زال تحتها حتى الآن أُسوةً بالكثير من نُزلاء فندق الريتز كارلتون، وبينهم أُمراء كِبار.

شرعيّة هذا المجلس الرئاسي الجديد لا تأتي إلا باعتراف الشعب اليمني، أو غالبيّته، ومُوافقة حركة “أنصار الله” على التّفاوض معه، للوصول إلى تسويةٍ سياسيّة، وتقاسم سُلطة، وبِما يُؤدّي إلى وقفٍ دائم للقِتال وإنهاء الحرب، وإذا كان من الصّعب رصد ردّ فِعل الشعب اليمني من خِلال انتخابات، أو استطلاع رأي، بسبب ظُروف البلاد الرّاهنة، فإنّ التعرّف على موقف حركة “أنصار الله” وتحالفها يبدو أكثر سُهولةً، رُغم عدم صُدور بيان رسمي يعكسه بكُل وضوح ولكن هُناك مُؤشّرات “غير إيجابيّة”.

السيّد محمد البخيتي عُضو المكتب السياسي للحركة الحوثيّة، والمُكلّف بالحديث لوسائل الإعلام الذي لم يُنكِر مُفاجئته بهذه الخطوة، ولكنّه بادَر برفض أيّ حِوار مع المجلس الرئاسي الجديد عندما قال “الحوار يجب أن يكون الحِوار بين اليمن ودول العُدوان الرّباعي، نحن لا نتفاوض مع أدوات دول هذا العُدوان”، وشنّ هُجومًا شَرِسًا على الرئيس الجديد السيّد العليمي ووصفه بأنّه “رجل أمريكا”، وقال إنه عارض بشدّة في الحِوار الوطني اليمني نصًّا “يرفض وجود أيّ وقواعد أمريكيّة على أرض اليمن”، وأكّد أن الشرعيّة الحقيقيّة هي لمَن يُدافع عن استِقلال البِلاد، وهذا المجلس الرئاسي غير شرعيّ، لأنه جاءَ امتِدادًا للاحتِلال”.

 

ربّما يكون الأمير بن سلمان الحاكِم الفِعلي للمملكة قد تخلّص من الرئيس هادي بهذا الانقِلاب النّاعم الذي كان يُشَكِّل في نظره، عقبةً في طريق توحيد الجبهة المُضادّة لحركة “أنصار الله” الحوثيّة، ولكنّه ربّما جاء بأكثر من هادي، من خلال الأعضاء الثّمانية في المجلس الجديد، بالنّظر إلى أنّ ما يُفرّقهم أكثر بكثير ممّا يجمعهم، وعلينا أن لا ننسى أن من تمّ عزلهم، مِثل الرئيس هادي ونائبه، ومن تمّ استبعادهم من المجلس لهم أنصار وقبائل على الأرض، يُمكن أن يكونوا عُنصر تعطيل، ولعلّ وصف الرئيس هادي الحوثيين بالأُخوة، قبل يَومٍ من عزله، أحد الرّسائل في هذا الصَّدد.

هذا المجلس الرئاسي ربّما تَشَكّل لقِتال الحوثيين على الأرجح، وليس للسّلام معهم، بالنّظر إلى مصير كُل الخطوات التوحيديّة السّابقة المُماثلة، والمَآلات التي انتهت إليها اللهمّ إلا حدثت مُعجزة، وقَبِلَ المجلس الرئاسي الجديد بالسيّد عبد الملك الحوثي “مُرشِدًا أعلى” لليمن، أو من يختاره رئيسًا، فبعد سبع سنوات من الحرب، واستِشهاد 377 ألف يمني، لم يَعُد الصّراع في اليمن محصور على اليمنيين وبينهم، وتطوّر إلى صِراعٍ على السّلطة وليس تقاسمها، ومن يقول غير ذلك لا يعرف اليمن ولا يعرف السعوديّة.

فمن يملك القوّة على الأرض هو الذي يملك القرار الحاسِم ولسنا في زمن المُعجزات.. ونأمَل أن نكون مُخطِئين.. والأيّام بيننا.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.