لماذا يرفض يهود أوكرانيا الهِجرةَ إلى “إسرائيل” رغم العُروض المُغرية؟ وما هي الأسباب التي تقف خلف هذا الرّفض؟ وما هي الرّسالة التي يحملها ليهود العالم؟
إذا صحّت الأنباء التي نقلتها “القناة 13” العبريّة أمس نقلًا عن مسؤولٍ إسرائيليّ كبير، بأنّ مُعظم، إن لم يكن جميع، يهود أوكرانيا الذين يزيد عددهم عن 200 ألف شخص، رفضوا الهِجرة إلى “إسرائيل”، وفضّلوا البقاء في بلدهم، أو الهجرة إلى أماكنٍ أُخرى، وهي تبدو أنباء صحيحة، فإنّ هذا الموقف يُشَكِّل صدمةً للمشروع الصهيوني والمُروّجين له، ويُؤكّد أن “إسرائيل” لم تَعُد جنّة “ارض الميعاد” في نظر الكثير من اليهود.
الأوكرانيّون اليهود ربّما يكونوا أوّل من “علّق الجرس”، وقالوا “لا” كبيرة للإغراءات الإسرائيليّة بالهِجرةِ إلى فلسطين المحتلّة، لأنّهم وبكُل بساطة، لا يَرون في الدّولة العبريّة الوطن الآمِن الذي يُحَقِّق مُستَقبلًا مُستَقِرًّا مُزدَهِرًا لأطفالهم، بالنّظر إلى التّهديدات والأخطار التي تُحيط بها من كُل جانب، مُضافًا إلى ذلك، ربّما لا يُريدون تمييز أنفسهم عن أشقّائهم الأوكرانيين، والهُروب من البِلاد، في هذه اللّحظات الحرجة جدًّا في تاريخها.
فمن يُريد الهجرة والاستِقرار في دولةٍ تُحيط بها مِئات الآلاف من الصّواريخ والمُسيّرات في منطقة الشّرق الأوسط التي تشهد تغييرات مُتواصلة في قواعد الاشتِباك منها، وفي ظِل تراجع واضح للتفوّق العسكري الإسرائيلي وظُهور قِوى إقليميّة عُظمى مِثل إيران، في مُقابل هزائم أمريكيّة مُتتالية في أفغانستان والعِراق وسورية واليمن؟
الإسرائيليّون، وباعتراف أجهزة إعلامهم، بدأوا الهجرة المُعاكسة، وبالأحرى الهُروب من “إسرائيل” إلى ملاذاتٍ آمنة، وخاصَّةً في أوروبا وأمريكا وكندا، بعد معركة “سيف القدس” الأخيرة في أيّار (مايو) الماضي التي استمرّت 11 يومًا فقط، وأطلقت خِلالها المُقاومة أكثر من 4200 صاروخ أرسلت ستّة ملايين إسرائيلي إلى المَلاجِئ، وأغلقت المطارين الوحيدين ممّا أدّى إلى عزْل “إسرائيل” كُلِّيًّا عن العِلم، ولا يُخامرنا أدنى شك بأنّ يهود أوكرانيا يعرفون هذه الحقائق جيّدًا، وتابَعوا هذه المعركة مِثل مُعظم أقرانهم في العالم.
رفض اليهود الأوكرانيين المُغريات الإسرائيليّة بالهجرة يُشَكِّل قمّة الحكمة، والعقلانيّة، والوعي، ويُوَجِّه رسالةً صريحةً وصادمةً في الوقت نفسه لليهود الآخَرين في العالم، بالابتِعاد عن المشروع الصّهيوني، ودولة إسرائيل التي يقترب عُمرها الافتِراضي من الانتِهاء، وباتت أيّام وجودها محدودةً، حسب رأي الكثير من الخُبراء والمُحلّلين السّياسيين الإسرائيليين أنفسهم.. واللُه أعلم.