مأساة مليلية.. المغرب يتابع المهاجرين غير النظاميين بتهم ثقيلة “الانضمام إلى عصابة تهريب البشر.. والاتحاد الإفريقي يدعو لتحقيق فوري وعاجل
مثل حوالي 60 مهاجرًا غير نظامي، أمام محاكم المغرب أمس، منهم 29 بينهم قاصر، مثلوا أمام محكمة الاستئناف (الجنايات) في الناظور (الشمال الشرقي بالمغرب)، اعتقلوا الجمعة الماضي خلال محاولة الوصول إلى مدينة مليلية، بمعية حوالي 2000 مهاجر آخرين، بحسب ما قاله محاميهم لـ”رأي اليوم”.
وتتهم السلطات المغربية، هولاء المهاجرين الـ29 بـ”الانضمام إلى عصابة وجدت لتسهيل خروج أجانب من التراب الوطني، العصيان، تعنيف موظفين عموميين، اضرام النار في الغابة، احتجاز موظف عمومي، التجمهر المسلح”.
المحيط الأطلسي.. مقبرة جماعية للمهاجرين
حسين، سوداني الجنسية، وأحد المهاجرين المتابعين، دافع عن نفسه قائلًا “نحن لم ندفع شيئًا مقابل الهجرة، لقد جئنا إلى هنا مجانًا؛ لقد استخدمنا عقولنا للتو وتوصلنا إلى خطة جيدة لمغادرة المغرب، لأننا عانينا كثيرًا”.
وانتقد في كلامه موقف مدريد، الذي إتهم “شبكات الاتجار بالبشر”، بما حدث عند السياج.
واستنكر نشطاء ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان “تصاعد العنف ضد المهاجرين في المغرب منذ أن أعادت مدريد والرباط العلاقات الدبلوماسية”، بعد تغيير الموقف الإسباني من الصحراء الغربية.
وأكد محمد أمين أبيدار، رئيس “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” فرع الناظور، لـ”رأي اليوم”، أنه في الأشهر الثلاثة الماضية، “زاد عدد المرات التي قامت فيها السلطات المغربية بتفكيك معسكرات المهاجرين المختبئين في الجبال بالقرب من المدينة، وتم ابعادهم باتجاه مدن جنوب المغرب”.
ولا يلقي الناشط باللائمة على زيادة العنف على المغرب فحسب، بل يلقي باللوم أيضًا على إسبانيا والاتحاد الأوروبي.
ويقول أبيدار، في حديثه لـ”رأي اليوم”، من أمام محكمة الجنايات بالناظور، “لدينا مقاطع فيديو يظهر فيها حراس مدنيون وهم يطردون المهاجرين في خضم تلك المأساة”.
ويخلص الناشط المغربي، إلى أن “الهجرة غير النظامية استُخدمت سياسيًا من قبل كل من إسبانيا والمغرب، حتى تحولت ضفتا المحيط الأطلسي إلى مقبرة جماعية للمهاجرين”.
“كل هؤلاء الذين ماتوا هنا كانت لديهم أحلام كبيرة”
من جهتها، تؤكد هيلينا مالينو، مؤسسة منظمة “كاميناندو فرونتيراس”، في مكالمة هاتفية مع “رأي اليوم”، “تصاعدت الحملات العنيفة منذ عودة العلاقات بين إسبانيا والمغرب”.
وتقول الناشطة الإسبانية، “كان الذهاب إلى السياج يائسًا”، في إشارة منها إلى أن ما حدث عند الحدود بين الناظور ومليلية، كان رد فعل للمهاجرين على الحملات التي يشنها المغرب ضدهم.
أحد المهاجرين بالناظور، وهو مسؤول عن مهاجري إحدى دول إفريقيا جنوب الصحراء، طلب عدم الكشف عن هويته، أكد لهذه الصحيفة، أن الشرطة المغربية “تقوم منذ أسبوعين باعتقالات يومية للمهاجرين في الغابات القريبة من المدينة”.
في 18 حزيران/ يونيو، على سبيل المثال، وفق ذات المصدر “كانت هناك بالفعل اشتباكات بين الشرطة والمهاجرين بأحد الجبال، على بعد خمسة كيلومترات من المدينة”.
“لقد كان المهاجرون مجانين، لأنهم طُردوا من كل مكان”، يضيف المتحدث.
طلبت “رأي اليوم”، من المتحدث، طريقًا للوصول إلى بعض المهاجرين، لا سيما بعد بحثها عنهم في معقلهم بجبل “كوروكو”، قرب الناظور، لكنه اعتذر بلطف، مؤكدا في ذلك “خطر عليهم، وسيكون خيانةً مني لهم”.
ويضيف بصوت حزين وبلغة فرنسية متكسرة، “لا أستطيع ذلك، أنا آسف، في قلبي أشعر بالحزن كثيرًا، لقد فقدت الكثير من الأصدقاء”.
“كل هؤلاء الذين ماتوا هنا كانت لديهم أحلام كبيرة، أرادوا المضي قدمًا في الحياة، وعلى المنظمات والمجتمع الدولي عدم السماح بتكرار شيء كهذا مرة أخرى”، يختم حديثه بحزن.
في محكمة الاستئناف كان هناك 29 مهاجرًا، أحدهم قاصر، يتهمهم وكيل الملك (المدعي العام) باستخدام العنف ضد سلطات إنفاذ القانون، وإضرام النار في الغابة، وخطف عميل والتظاهر بالأسلحة، وستتم محاكمتهم في الـ13 من تموز/ يوليو القادم.
أصغرهم، سوداني الجنسية، يبلغ من العمر 17 عامًا، توصلت “رأي اليوم”، بروايته للأحداث التي جرت يوم الجمعة الماضي.
“كنا بالغابة، واستيقظنا يومها الساعة السادسة صباحًا، أعتقد أننا كنا حوالي الألف، بدأنا نسير بسرعة كبيرة ونركض نحو الحدود، استغرقنا حوالي ساعتين للوصول إلى هناك، صحيح أن الكثيرين كانوا يحملون العصي، لكن كان الهدف هو تخويف الدرك فقط وليس ضربهم، عندما اقتربنا من السياج، أطلق رجال الدرك علينا قنابل الدخان ولم نتمكن من رؤية أي شيء… فقدت الوعي”.
وفق روايته، غادر الشاب السودان قبل عام فقط، ووصل إلى المغرب منذ سبعة أشهر بعد عبوره اما من ليبيا والجزائر.
الاتحاد الإفريقي يدعو للتحقيق
وصلت الانتقادات الموجهة للمغرب على تصرفات قوات الشرطة إلى قلب “الاتحاد الإفريقي”، وهو منظمة قارية تخوض الرباط والجزائر معركة دبلوماسية كبيرة فيها على خلفية الصحراء الغربية.
وطالب رئيس مفوضية “الاتحاد الإفريقي”، موسى فقي محمد، بـ”تحقيق فوري” في مقتل عشرات المهاجرين الذين كانوا يحاولون عبور الحدود المغربية إلى منطقة مليلية الخاضعة للإدارة الإسبانية.
وقال محمد في تغريدة على تويتر، مساء الأحد، “أعبر عن صدمتي العميقة وقلقي إزاء المعاملة العنيفة والمُهينة للمهاجرين الأفارقة الذين يحاولون عبور الحدود الدولية من المغرب إلى إسبانيا، وما أعقب ذلك من أعمال عنف أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 23 شخصا وإصابة الكثيرين”.
وذكر فقي، جميع الدول بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وضرورة “معاملة جميع المهاجرين بكرامة، وإعطاء الأولوية لسلامتهم وحقوقهم الإنسانية، مع الابتعاد عن استخدام القوة المفرطة”.
واعتقل الـ62 يوم الجمعة الماضي، بعد الحادث الذي وقع عند السياج الحدودي في مليلية ، عندما توجه المئات من سكان جنوب الصحراء نحوه بشكل جماعي بالعصي والحجارة لعبوره ودخول الأراضي الإسبانية. حاولت مجموعة كبيرة من القوات المغربية إيقاف المهاجرين بالهراوات والغاز والرصاص المطاطي، وتم ترحيل الجميع وأغلبهم سودانيون، إلى “السجن المحلي بالناظور 2″، (سجن سلوان).
المهاجرون المتابعون، اعتقلوا يوم الجمعة الماضي، بعد الحادث الذي وقع عند السياج الفاصل بين الناظور ومليلية، بعد محاولتهم رفقة المئات من مهاجري دول جنوب الصحراء، -تتأرجح أعدادهم حسب المصادر بين 1500 و2000-؛ القفز نحو المدينة المتمتعة بالحكم الذاتي تحت سيادة مملكة قشتالة، وهم حاملين العصي والحجارة وأسلحة بيضاء مصنوعة بشكل بدائي، وتواجهوا مع مجموعة كبيرة من القوات المغربية التي حاولت إيقافهم بالهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.
وفيما تقول السلطات المحلية لمحافظة الناظور مقتل 23 مهاجرا، تقول منظمات غير حكومية مثل “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” و”كاميناندو فرونتيراس”، وغيرهما، أن هذا يتراوح بين 27 و37.