بعد فترة قصيرة على قيام وزير الخارجية الروسي، سيرجيه لافروف، تقديم طلب روسي لضمانات أمريكية بألا تضر العقوبات المفروضة على بلاده بالعلاقات التجارية والتعاون بينها وبين إيران، كانت طهران قد استقبلت الأمر ببرود؛ “هذا طلب غير مجد. روسيا تريد ضمان مصالحها في أماكن أخرى مستغلة الاتفاق النووي”، قالت شخصية إيرانية رفيعة.
هذا رد له صلة بامتناع إيران عن التصويت في الأمم المتحدة بشأن إدانة روسيا، وبخطاب انتقادي عام يدور في إيران ضد الموقف المؤيد لروسيا الذي عرضته في المسألة الأوكرانية. محللون وسياسيون في إيران طالبوا مؤخراً بالتوقف عن دعم روسيا “من أجل عدم تولد الانطباع بأن موسكو تملي السياسة الخارجية لإيران”. والتفاهم الذي تبلور حتى الآن بين بعثات المفاوضات بشأن الاتفاق النووي هو أن تكون النقاشات منفصلة عن أي سياق خارج الموضوع النووي. لن تناقش إيران موضوع الصواريخ البالستية أو مساعدة منظمات الإرهاب، ودول الغرب وروسيا والصين لن تربط بين الوضع في أوكرانيا والاتفاق. مبعوث روسيا في المحادثات، ميخائيل اليانوف، أكد في الأسبوع الماضي أن “هذين الموضوعين غير مرتبطين”. هذا تصريح زائد. وقال مصدر أمني إيراني رفيع إن روسيا حتى لو “غيرت توجهها أو حاولت إعاقة الاتفاق، فستفضل إيران مصالحها… لماذا نضحي بملايين الدولارات على مذبح التحالف مع روسيا”.
يبدو أن النظرية القائلة بأن إيران وروسيا أخوات، تحتاج إلى إعادة نظر، ليس على خلفية الاتفاق النووي فحسب؛ لأن لطهران حساباً غير مغلق مع موسكو، خصوصاً في الساحة السورية التي تسمح فيها روسيا لإسرائيل بمهاجمة أهداف إيرانية هناك. وثمة توقع بأنه سيتم التوقيع على الاتفاق النووي هذا الأسبوع، بعد عودة ممثلي الدول إلى فيينا للمشاورات، وفي ختام المحادثات “المثمرة” التي أدارها رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، أمس في طهران، التي تم فيها إجمال ما يبدو مثل خريطة طريق لحل عدد من مسائل الرقابة التي لم تُحل بعد، من بينها زيارة المنشآت غير المذكورة كمنشآت نووية، ولكن فيها علامات تشير إلى استخدام اليورانيوم المخصب. طلبت إيران إغلاق ملف هذه المواقع، لكن أمريكا وشركاءها لم يتنازلوا.
مع ذلك، يبدو أنهم وافقوا على عدم ترك هذه القضية تعيق التوقيع على الاتفاق، شريطة التوصل إلى اتفاق حول فحص المواقع فيما بعد. وثمة خلاف آخر ما زال عالقاً، وهو مسألة الضمانات التي طلبتها إيران من أمريكا بعدم انسحابها من الاتفاق مستقبلاً. بعد أن أدركت إيران أن بايدن لا يمكنه التعهد باسم الإدارة المستقبلية، وأن الكونغرس لا يتوقع الاستجابة لطلبها بالحصول على قرار ملزم في هذا الشأن، حاول الطرفان الآن إيجاد حل وسط يكون مرضياً لطهران.
يبدو الآن أن ما يدفع باتجاه توقيع سريع ليس أمريكا والدول الغربية فحسب، حتى لو كان جزء من البنود المختلف عليها سيتم حلها في موعد لاحق؛ فإيران ترى في أزمة أوكرانيا فرصة اقتصادية يجب عليها استغلالها بسرعة. فأسعار النفط والغاز ارتفعت إلى ذروة لم تصل إليها منذ سنوات، والدخول الفوري إلى سوق الطاقة العالمية قد يثري جيوب الجمهورية الإسلامية.
حسب التقديرات، تملك إيران 80 مليون برميل نفط مخزونة في سفن صهريجية وفي مخازن بدول في آسيا، ويمكنها تسويقها بشكل فوري. جهات رفيعة في صناعة النفط الإيرانية تعتقد أنه خلال فترة قصيرة، أياماً أو أسابيع، تستطيع إيران تسويق 1.2 مليون برميل يومياً، وبهذا تسهم في خفض أسعار النفط في العالم. وهذا سيمكنها من تجنيد زبائن جدد في أوروبا.
إضافة إلى ذلك، العقوبات المفروضة الآن على روسيا تعطيها فرصة لعرض قنوات استثمار لشركات عالمية، التي تسحب استثماراتها من روسيا وتبحث عن مسارات استثمار بديلة. هذه الثروة تعتمد بالطبع على سرعة توقيع الاتفاق النووي، الذي سيتم بعده رفع العقوبات. ويبدو أن التقاء المصالح بين إيران والولايات المتحدة أقرب الآن بكثير من الذين بينها وبين روسيا.
مع ذلك، تستطيع إيران أن تقيم علاقات تجارية وصفقات شراء سلاح وقعت عليها مع روسيا، حيث إن العقوبات على روسيا لا تلزمها ما دامت غير صادرة عن مجلس الأمن. ولكن سيكون الخيار لإيران. وليس من نافل القول إن الشريكة الاستراتيجية الأهم لها هي الصين، التي وقعت معها على اتفاق استراتيجي لمدة عشرين سنة، وفي إطاره ستستثمر بكين نحو 400 مليار دولار في البنى التحتية وفي تطوير حقول النفط والغاز مقابل النفط والغاز الذي ستبيعه إيران لها بأسعار منخفضة، وستسمح لها بإقامة موانئ وقواعد على أراضيها.
لروسيا دور مهم في تطبيق الاتفاق؛ فهي التي قد تستوعب فائض اليورانيوم المخصب الذي أنتجته إيران منذ العام 2019، وهي السنة التي بدأت فيها بخرقه عقب انسحاب الولايات المتحدة. روسيا والصين يمكنهما أيضاً مساعدة إيران في تطوير برنامج نووي للأغراض السلمية حسب قيود الاتفاق النووي. إذا قررت روسيا عدم التوقيع على الاتفاق بدون ضمانات أمريكية خطية، فيمكن للدول الأوروبية أن تقوم بلعب دورها في استيعاب فائض اليورانيوم، وستواصل الصين تطوير البرامج النووية. يمكن التقدير بأن روسيا لا تريد أن تكون منفصلة وتفقد رافعتها الإيرانية، حتى لو لم تحصل على الضمانات الأمريكية. إذا كانت هناك علاقة بين غزوها لأوكرانيا والاتفاق النووي، فإنها موجودة بصورة تبدو فيها قدرة روسيا على إملاء خطوات إيران آخذة في التآكل، في حين أن الفرص التي يعرضها الغرب عليها بدأت تتضح وتزدهر.