مجلس حقوق الإنسان في المغرب ينبه إلى مسؤولية الدولة في ضمان الأمن الصحي للمواطنين ويثير قضية «نزيف» هجرة الأطباء
سلط المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب الضوء على معيقات ولوج المواطنات والمواطنين للحق في الصحة، واقترح مداخل لمعالجتها، ليس انطلاقاً من النصوص القانونية التي تضمن الحق في الصحة فحسب، بل كذلك وفي الأساس عبر البحث عن العوائق المرتبطة بالمحددات الضمنية للحق في الصحة، وعلى رأسها العوائق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وأعد تقريراً موضوعاتياً حول “فعلية الحق في الصحة في المغرب: التحديات، الرهانات ومداخل التعزيز”، تلقت “الشروق نيوز 24” نسخة منه، حيث عالج موقع حقوق الإنسان في تقييم السياسات العمومية، من منطلق الأهمية القصوى للحق في الصحة باعتباره حقاً يؤثر في قدرة المواطنين على التمتع بحقوقهم الأخرى ويتأثر بها، في إطار مبدأ عدم قابلية حقوق الإنسان للتجزيء، إلى جانب وعي المجلس بضرورة اغتنام الفرص التاريخية التي وفرتها جائحة (كوفيد-19) لإحداث تحولات نوعية في مقاربة الصحة كخدمة عمومية تقع في صلب حماية الأمن والسيادة الوطنية.
وأثار التقرير مسألة مغادرة الأطباء المغاربة إلى الخارج، مستخدماً مصطلح “نزيف” للتعبير عما يعانيه قطاع الصحة في هذا المجال، حيث ذكر أن عدد الأطباء المغاربة الذين يمارسون مهنتهم خارج البلاد يتراوح ما بين 10 آلاف و14 ألف طبيب، مقابل 23000 يزاولون الطب في المغرب.
وإذا كان ما بين 2100 و2200 طبيب في المغرب تلقوا تدريبهم بين عامي 2019 و2020، فإن من 600 إلى 700 سافروا للعمل إلى الخارج، خاصة في أوروبا، وفق المصدر نفسه.
وحسب أمينة بوعياش، رئيسة المجلس، فإنه “لا يمكن ضمان فعلية الحق في الصحة، بما يشوبه من اختلالات تهم التمتع والولوج إليه، إلا في إطار دولة مدافعة وضامنة لهذا لحق”. لذلك فإن هذا التقرير يعد ثمرة لقاءات في مختلف أقاليم المغرب ومقاربة تشاركية سمحت بإشراك مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمهنيين والخبراء والباحثين المعنيين بالحق في الصحة، واقتراح حلول عملية وقابلة للتطبيق ومنسجمة مع الخصوصيات الجهوية والمحلية الكفيلة بالمساهمة في تعزيز الحق في الصحة لجميع المواطنات والمواطنين.
وكشف التقرير عن التحديات التي تواجه فعلية الحق في الصحة في المغرب، أولها “تدبير وحكامة قطاع الصحة، سواء على مستوى صناعة القرار أو تدبير الموارد البشرية أو المالية”، وكذا “ضعف ملاءمة النظام الصحي القائم مع ما يتطلبه ضمان الحق في الصحة للجميع. فالنظام الصحي الوطني يختزل الحق في الصحة في مسألة تلقي العلاجات ولا يستهدف المحددات الضمنية للحق في الصحة”، كما كانت “اختلالات السياسة الدوائية” من بين التحديات إلى جانب “ضعف الولوج إلى الحق في الصحة في بعده المتعلق بالصحة النفسية والعقلية”، و”بقاء فئات واسعة من المغاربة خارج نظام التغطية الصحية”.
وحلل التقرير أيضاً “ضعف التدريب والبحث العلمي في مجال المهن الصحية وعدم قدرتها على مواكبة الحاجيات المتزايدة على مستوى الكوادر الصحية الوطنية”، في قائمة التحديات بمعية “غياب نظام وطني لمواجهة الأزمات الصحية على غرار الأوبئة والجوائح”. ولم يفت التقرير الوقوف في باب التحديات عند “ازدواجية النظام الصحي ما بين العام والخاص، يعمق التفاوتات المجالية والاجتماعية في الولوج إلى الحق في الصحة”. أمينة بوعياش في كلمتها التقديمية تطرقت إلى الرهانات التي ستسمح في نظر المجلس بإعادة بناء النظام الصحي الوطني بما يضمن تعزيز قدرته وعلى ضمان وحماية الحق في الصحة. ومن بين تلك الرهانات “اعتبار الحق في الصحة في بعده الشمولي الذي لا يمكن اختزاله في مسألة الولوج إلى العلاجات، بقدر ما يتطلب العمل على المحددات الضمنية (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية) التي تتحكم بشكل كبير في مستوى الصحة البدنية والنفسية والاجتماعية للإنسان”.
ويراهن التقرير أيضاً على “بناء نظام وطني للصحة يكون فيه ضمان الحق في الصحة ناتجاً عن تضافر جهود كل القطاعات الحكومية التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في واحد أو أكثر من محددات الحق في الصحة. ويقتضي كسب هذا الرهان تجاوز المقاربة القطاعية واعتماد مقاربة متعددة القطاعات في جهود حماية الحق في الصحة”.
إلى جانب ذلك “جعل العدالة المجالية رهاناً أساسياً للحق في الصحة”، و”بناء الدولة الاجتماعية الضامنة للحقوق، باعتبار أن الدولة من واجبها العمل على ضمان الحق في اختياراتها الاستراتيجية وفي سياساتها العمومية وقراراتها”.
وختام الرهانات شدد التقرير على “ربط جهود تعزيز الحق في الصحة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومواجهة التغيرات المناخية وتحقيق الأمن الإنساني”.
وتصل أمينة بوعياش في كلمتها التقديمية للتقرير إلى التأكيد على أن “ما استنتجه المجلس من لقاءاته التواصلية، أن الدولة لم تتمكن لحد الآن، رغم المجهودات، من ضمان الأمن الصحي للمواطنين، في كل أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، سواء بخصوص الولوج للخدمات الصحية، أو وضع استراتيجية دوائية تستجيب للحاجيات الوطنية، كما سجلنا بإيجابية في موضوع التطعيم ضد كرونا”، تقول المسؤولة الحقوقية المغربية.