عن ألف بوست ..
أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس عفوا على المعتقلين في ملف الصحفية هاجر الريسوني، وهو عفو محمود جاء ليصحح أحد أكبر الأخطاء ضد الحريات الفردية في البلاد
خلال العقود الأخيرة، ويستوجب المنطق نهاية هذه التصرفات التي تسيء ليس فقط الى صورة البلاد بل صورة المؤسسة الملكية في الخارج.
وتفاجأ الرأي العام المغرب والدولي إلى مستويات الإستنكار من الطريقة التي جرى بها الإعداد لهذا الملف الذي سجل أرقاما قياسية في التلاعب بسيادة القانون والأمن للأسباب التالية :
التربص المريع بهاجر لإعتقالها رفقة خطيبها السوداني رفعت الأمين ثم الطبيب بلقزيز ومساعديه بطريقة مريعة، حيث جرى الإعتقال خارج العيادة الطبية وليس داخلها.
الإدعاء بوجود حمل وإجهاض في حين أن علميا، وفي هذه الحالة، التحاليل الطبية أثبتت العكس، ويبدو أن الجهاز الأمني والقضائي تصرف بطريقة محاكم التفتيش خلال القرون الوسطى حيث كان يتم إحتقار العلم.
شن حملة إعلامية في وسائل الاعلام العمومية وأخرى خاصة لتشويه المعتقلين وكأن الأمر يتعلق بمنعطف خطير في تاريخ المغرب خلال القرن الواحد والعشرين.
لقد لاقت القضية تعاطفا على المستوى الوطني وخاصة الدولي لاسيما بعدما تحولت هاجر الى أول امرأة في تاريخ المغرب يحكم عليها بسنة سجنا في فرضية الإجهاض الذي يشهد منه المغرب مئات الحالات يوميا.
ولم يعد المغرب شعبا ووطنا محل الإتهام في أعين الراي العام الدولي ، بل الدولة المغربية بكل أجهزتها من ملكية إلى قضاء إلى شرطة وإستخبارات، ويكفي خبراء الدولة تحليل مضمون خطاب وسائل الاعلام الدولية من نيويورك تايمز إلى الجزيرة ومن روسيا توداي إلى كلارين في الأرجنتين مرورا بمختلف منابر أخرى مثل الواشنطن بوست ولوموند والقدس العربي والباييس و…ليقف على كيف جرى ربط القضية بالملك وبنظامه مباشرة، وكيف جرى الثناء عليه في مدونة المرأة ؟؟ وكيف جرى إنتقاد نظامه في ملف هاجر.؟؟
وبعد هذا العفو الذي جاء ليصح هذا الخطأ الفظيع، الوطن محتاج الى شيئين، في المقام الأول، فتح تحقيق حول الجهات التي إختلقت هذا الملف خاصة كيف جرى تحدي التحاليل الطبية التي أكدت عدم وجود الإجهاض والحمل، لأن سكوت الدولة على هذا الأمر يعني من المستحسن لها إغلاق كليات الطب في البلاد ، وتبني فكر محاكم التفتيش التي قادت علماء الى المحرقة.
وفي المقام الثاني، ضرورة التفكير في إمتداد الحل إلى الأخطاء التي إرتكبت في حق معتقلي الريف والمهداوي وبوعشرين.
تجري هذه التطورات في وقت ينتقل فيه جيران المغرب بهدوء نحو الديمقراطية، ففي جنوبه تبني موريتانيا تجربة هادئة رغم الصعوبات الإقتصادية، ووقعّت تونس حلقة جديدة من إنتقالها الديمقراطي، وكل المعطيات في الجزائر تؤكد نهاية مسلسل الإحتجاج بإجراءات ديمقراطية، بينما المغرب يشهد بوادئ الدولة البوليسية.
معركة الدولة المغربية ليس ضد صحفي أو ناشط أو مفكر أو كاتب ينتقد بنما وينتقد الإختلاسات وينتقد العشوائية، وتتعامل معه بالإعتقال المدبر والمس بشرفه عبر صحافة لا تؤمن بقيم سوى خدمة من في السلطة، وكأن جهات في الدولة تستمتع بسيادة غريبة بإنتهاك خصوصيات الناس، بل معركة الدولة هي في إستيقاظ ضمير مسؤوليها القابضين على زمام السلطة لمحاربة الظروف التي جعلت الشباب يموت في البحر ومعدلات الإنتحار ترتفع وجعلت اليأس يعم البلاد، وتجعل وطن مثل المغرب يتوفر على كل معطيات الإنتقال الديمقراطي والإقتصادي يقبع في مراتب مخجلة في التقارير الدولية حول التنمية والكرامة.