الرباط: ثمَّن «مرصد العمل الحكومي» مُضيّ الحكومة في تنفيذ التزاماتها فيما يخص التنزيل السريع للترسانة القانونية المتعلقة بورش تعميم الحماية الاجتماعية، والوفاء بالتزامها المتمثل بإعادة إحياء الحوار الاجتماعي ومَأسَسة آلياته ودوراته، وتوقيع الاتفاق مع النقابات الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، وما ترتب عنه من مكتسبات ومنجزات ولو في حدودها الدنيا في ظل ظرفية اقتصادية صعبة.
وعدَّد تقرير حديث صادر عن المرصد التابع لـ»مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني»، مجموعة من الملاحظات على أداء وحصيلة الحكومة خلال السنة الأولى من ولايتها، مسجلاً بإيجابية توجُّه الحكومة نحو تأدية متأخرات واجبات القيمة المضافة لفائدة الشركات والمقاولات المغربية، وما له من أثر إيجابي على وضعيتها المالية وتوفر السيولة لديها، وخاصة المقاولات الصغيرة جداً والصغيرة والمتوسطة.
وثمَّن التقرير توجُّه الحكومة نحو «الحفاظ على أثمنة المواد الاستهلاكية الأساسية من قمح وسكر وغاز بوتان من خلال مضاعفة مُخصّصات صندوق المقاصة لتصل إلى 32 مليار درهم (زهاء 3 ملايين دولار)، فضلاً عن الالتزام الحكومي بالحفاظ على أسعار النقل من خلال دعم مهنيي النقل في ظل أزمة غلاء أسعار المحروقات»، وفق ما جاء في التقرير الذي توصلت به «الشروق نيوز 24».
وسجل بإيجابية طريقة التعاطي الحكومي مع أزمة الغاز الاستهلاكي والصناعي في ظل توقف إمدادات الغاز الجزائري وغلاء الأسعار، وتوجهها نحو استغلال الإمكانات المغربية وتنويع الشركاء ومصادر التموين، وزيادة إيجابية الدعم الحكومي المقدم من طرف الحكومة إلى القطاع السياحي والخروج التدريجي من الأزمة التي خلفتها جائحة كورونا، وتشجيع المبادرات الاستثمارية الشبابية من خلال إطلاق وتفعيل برنامَجَي «فرصة» و»أوراش»، ودعم القطاع الفلاحي وتخفيف آثار موجة الجفاف، وغيرها من الإجراءات.
بالمقابل، سجل التقرير غياب الإجراءات الموازية الضامنة لنجاح وديمومة ورش الحماية الاجتماعية، وخاصة تلك المتعلقة بإعادة النظر في التعريفة الوطنية المرجعية، ومصادر التمويل، زيادة على ارتباك وتعثر النتائج المرجوة من إطلاق برنامج «أوراش» وتباين نتائجه على مستوى الجهات، وتعثر انطلاق برنامج فرصة، وعدم تحقيقه لأي نتائج كمية أو نوعية منذ إعطاء انطلاقته.
وسطّر المرصد سلبية الامتناع الحكومي عن التدخل من أجل التخفيف من وطأة ارتفاع أسعار المحروقات على المواطنين وآثاره الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، من قبيل تسقيف هوامش الربح وتدقيق الالتزام بالشروط القانونية للتخزين، ومراجعة الهيكلة الضريبية للأسعار، والامتناع الحكومي عن حل أشكال المنافسة في قطاع المحروقات وفرض شروط قانونية واضحة تؤسس للمنافسة الحرة والنزيهة ما بين مختلف الفاعلين.
مكامن الخلل
رغم تعداد التقرير لجملة من الإيجابيات والإجراءات والقرارات التي جاءت بها حكومة عزيز أخنوش خلال عامها الأول، انتقد ضبابية الموقف الحكومي من معالجة أشكال مصفاة «لاسامير» لتكرير البترول، والاستفادة من قدراتها التكريرية والتخزينية، إلى جانب غياب أي تصور للحكومة لتعزيز وتطوير المنظومة الديمقراطية وتعزيز وإشاعة حقوق الإنسان، وغياب الإرادة السياسة لديها لمباشرة الإصلاحات الكبرى المتعلقة بملفات الريع والفساد، والمنافسة، وصندوق المقاصة والتقاعد، وغيرها من الملفات الاستراتيجية.
ولفت مرصد العمل الحكومي ضبابية التعامل الحكومي مع ملف ندرة المياه وتدبير الموارد المائية، واستمرار الحكومة في مخطط الجيل الأخضر وتوجهاته الزراعية المستنزفة للمياه دون أي استشراف لتعديله أو تغيير مقوماته، وضعف التواصل الحكومي، والارتباك الكبير المسجل في تقديم المعطيات والتفاعل مع الأحداث والملفات الكبرى، وشرح الإجراءات والتدابير التي تتخذها الحكومة، والامتناع غير المبرر لرئيس الحكومة على التواصل مع الرأي العام المغربي.
وأشار التقرير إلى عجز الحكومة عن الوفاء بالتزامها المتضمن بموازنة 2022 والقاضي برعاية المسنين من خلال دعم مالي مباشر لمن يتجاوز 65 سنة بقيمة 400 درهم (36 دولاراً)، وعجزها المعلن عن القيام بأي إجراء لمحاربة الوسطاء والمضاربين والمحتكرين الذين يغذون موجات التضخم وغلاء الأسعار، والاستفراد بالقرار التشريعي من طرف الأغلبية الحكومية وتهميش دور المعارضة، وتأثيراته السلبية على التوازن السياسي في البلاد، وامتناع رئيس الحكومة على توسيع المشاورات المتعلقة بالقضايا والاشكاليات الاستراتيجية للبلاد على باقي مكونات الساحة السياسية وخاصة الأحزاب الممثلة في البرلمان.
توصيات
من خلال رصده وتتبعه لمختلف أعمال وأنشطة وإجراءات الحكومة خلال السنة الأولى من ولايتها، قدم مرصد العمل الحكومي مجموعة من التوصيات متمثلة في استكمال الهيكلة الحكومية من خلال تعيين كتاب الدولة في العديد من القطاعات الوزارية لرفع الأداء والمردودية الحكومية وفتح نقاش عمومي واضح وصريح حول الإصلاحات الهيكلية والملفات الكبرى، من قبيل صندوق المقاصة والمنظومة الضريبية، التقاعد ومحاربة الريع والفساد.
ودعا المرصد إلى تطوير وتسريع وتيرة العمل التشريعي بما يتوافق ويواكب الطموحات الإصلاحية والالتزامات الكبرى التي جاءت بها الحكومة، فضلاً عن ضرورة التسريع بإخراج قوانين المنافسة وإصلاح مجلس المنافسة بما يمكنه من لعب أدواره الرئيسية في حماية الاقتصاد الوطني وضمان نزاهة وشفافية الفعل الاقتصادي والاستثماري وانعكاساته على المستهلك المغربي.
ومن بين التوصيات كذلك، ضرورة الانفتاح وتوسيع المشاورات السياسية فيما يتعلق بالتحديات والإكراهات الكبرى التي تواجه البلاد، في تكريس للطابع التوافقي الذي يميز المغرب، مع ضرورة تعزيز آليات حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وتوفير مقومات العيش الكريم، وحماية المواطنين من الاحتكار والمضاربة، مع ضرورة إصلاح وتجويد العرض الصحي الوطني بما يتوافق مع مقومات الدولة الاجتماعية وتوجهات الحماية الاجتماعية.
وأوصى التقرير بضرورة التسريع بإخراج قوانين منظومة التشغيل إلى حيِّز الوجود بما يتوافق والاختيارات الديمقراطية للمغرب وقيم وثقافة حقوق الإنسان والحرية، مع ضرورة تطوير الآليات التواصلية للحكومة، وتكثيف فرص التواصل مع الرأي العام المغربي وخاصة رئيس الحكومة، وانكباب الحكومة على تنزيل سياسة عمومية منسجمة ومنسقة في مجال الشباب والرياضة بما يضمن التنشئة المجتمعية على قيم الوطنية والانفتاح.