بقلم: الإعلامي والسياسي الحسين بنلعايل / بلجيكا..
يُلفت إنتباهي بشدة نقاشات ومداخلات وجدل عبثي واسع الذي ينتشر بشكل غريب مؤخرا عبر الفايسبوك وإنستغرام و واتساب، حول قضايا الجالية المغربية (المسلمة) منها ما يتعلق بالذبيحة الحلال، حيث يتبادل المستفيدون والمنبوذون القصف الكلامي العنيف وعبارات تدخل في خانة السب والقذف والتشهير، وأخرى لا يستطيع العاقل قراءتها، إتهامات تم تجهيزها مسبقا في صناديق المدفعية الكلامية الجاهزة للقصف، ومزايدات عنترية واضحة، ومتاجرات بالدين وبحقوق المهاجرين المغاربة، حتى أن القضايا برمتها تتحول أحياناً من جدال حول حقوق المهاجر، إلى معركة بين مؤيدي القيود (بكل أنواعها المجتمعية والدينية) ودعاة التحضر، وبين هذا وذاك تتطاير عبارات على شاكلة “بلجيكا دولة علمانية” “بلجيكا دولة تحترم الديانات ” “بلجيكا دولة الحقوق” “بلجيكا دولة دعاة الانفلات” “بلجيكا دولة الجواسيس” وغير ذلك، ويصبح النقاش بحد ذاته واجهة مسيئة للمهاجرين المغاربة بغض النظر عن أهدافه ومبتغاه.
بعد خمسين سنة، يسقط بعض الدعاة في فخ البحث عن الشهرة وإغراء الإنتشار، وما يجلبه من أموال أو حتى عوائد معنوية، فيستخدم ألفاظاً وعبارات لا علاقة لها بالدين في الحديث عن الجالية واللحم الحلال والإرهاب وتفسير بعض الجرائم المجتمعية التي لها دوافع منقطعة الصلة تماماً بالعقيدة الصحيحة، بينما يتمترس على الجانب الآخر بعضاً ممن يرون أن هناك مشكلة في فهم الإسلام المغربي والإسلام السعودي والإسلام التركي، وأن هناك أزمة في علاقة المملكة البلجيكية بالمسلمين!
لست هنا بصدد الإنتصار لأي تفسير ديني أو أخلاقي أو نفسي أو غير ذلك لما تشهده الجالية المسلمة في بلجيكا من جرائم، ولست كذلك بصدد الإنتصار لمن يهاجمون أصحاب هذه التفسيرات، مهما كانت حدتها، فالمعضلة الأساسية ليست في هذا الطرف أو ذلك، لأنهم جميعاً ليسوا سوى “أعراض” لمرض أساسي أصاب الجالية (المسلمة) منذ زمن طويل، وللأسف يستشرى ويستفحل في جسد هذه المجتمعات بما يهدد ثوابتها وركائزها وأمنها.
ما أقصده هنا أن المشكلة الأساسية التي تفرز لنا هذه الممارسات الإعلامية الغوغائية هي غياب ثقافة الحوار بين ((الطرفين)) وتفشي العنف اللفظي بين أبناء البلد الواحد، وغياب مسؤولية الدولة في رص الصفوف، حيث أصبحت المملكة البلجيكية فضاء عام متاح للانفصاليين الجمهوريين الذين يخوضون حربا ضد مصالح المملكة المغربية في العاصمة الأوروبية بروكسيل، ويوم 17 يوليوز 2022 هو دليل قاطع أن من يصنعون هذه الوقفات والخرجات هم أعداء الملك محمد السادس، وبمساعدة رجال المال والأعمال والمخابرات الجزائرية في أوروبا سيصيحون بأعلى صوتهم بأنهم يريدون تقسيم الدولة لدويلات، وهذا ليس ذنب المهاجرين المغاربة الملكيين الشرفاء أو تقصيرا منهم، بل هو نتاج لتقصير الدولة لسوء إجرائي وتنظيمي رسمي، هم موظفين فاشلين يفترض فيهم الوعي والقدرة على نسف كل مخططات الجزائر و الجمهوريين أعداء الوحدة الترابية.
رد الفعل والإستنفار المجتمعي غائب في معظمه ظاهريا، إنه صراع بين مؤيدي وقفة 17 يوليوز ومن يزعمون الدفاع عن الدولة والجالية المغربية وحمايتها، وكلاهما على النقيض تماماً، فهو سباق بين تطرف وتطرف مواز لا يلتقيان، وبينهما أو ورائهما تطرف ثالث يحصد ثمار مايزرعان ويجني حصاد ما يغرسان!
لا قواعد للدولة والجمعيات الموالية لهم ولا ضوابط، هذه هي البيئة الأمثل لما يمكن وصفه بالتطرف التنفيذي، والانتقال من الكلام إلى الفعل، أي ممارسة الإرهاب والعنف وسفك الدماء دفاعاً عن معتقداتهم، فهكذا كانت بدايات الإرهاب في حقب زمنية سابقة حين اشتعلت الفكرة في رأي منفذيها بالإنتقال مما كان يوصف بالمعارك الفكرية العبثية التي كانت تتمحور حول ثوابت وأسس راسخة في العقول وأمهات الكتب منذ قرون طويلة، وما أقصده هنا لا يرتبط بجدلية التجديد الفقهي وحدودها ومشروعيتها وغير ذلك من أصول وفروع، حتى لا يقودنا النقاش إلى متاهات لا مخرج منها في هذا الظرف الطارئ..وفي الأخير أختم..إذا كانت مصر أم الدنيا يقول المغرب أبو الدنيا.