ملاسنة حادة بين السفيرين المغربي والجزائري في لجنة تصفية الاستعمار

Advertisement

نيويورك (الأمم المتحدة) : عقدت لجنة تصفية الاستعمار المسماة لجنة الـ 24 اجتماعها السنوي في جزيرة سانت لوسيا بين الحادي عشر والرابع عشر من شهر أيار/مايو الحالي بحضور ممثلين عن المناطق التي كانت خاضعة للاستعمار من القارات الثلاث، إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، يمثلون 17 إقليما أو كيانا لا تتمتع بالاستقلال وما زالت مدرجة على القائمة التي أقرتها الجمعية العامة منذ عام 1963 ومنها الصحراء الغربية.
وانعقدت هذه الدورة للجنة ال 24 لعام 2022 في إطار العقد الدولي الرابع للقضاء على الاستعمار (2021-2030) تحت شعار: “وضعية الأقاليم غير المستقلة خلال وباء مرض فيروس كورونا (كوفيد -19) وما بعده “.
و قد تم التأكيد مجددا على الحق في تقرير المصير منذ انطلاق أعمال الملتقى في سانت لوسيا حيث تميزت هذه الدورة بمشاركة حوالي مائة مندوب يمثلون 12 إقليما غير مستقل من ضمن 17 إقليما أو كيانا أو دولة لا تزال مدرجة على أجندة لجنة تصفية الاستعمار الأممية.
وكانت لجنة الـ24 المعنية بتصفية الاستعمار قد ادرجت بند الصحراء الغربية في قائمة الأقاليم الخاضعة لتصفية الاستعمار في تقريرها الصادر بتاريخ 6 كانون الأول/ ديسمبر 1963 والذي أقرته الجمعية العامة في قرارها 1956 (د -18) المؤرخ في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1963.
وقد شاركت العديد من البلدان الإفريقية من بينها الجزائر في الدفاع عن الحق في تقرير مصير الأقاليم غير المستقلة في انتظار أن يمارس شعبها حقه في تقرير المصير.
وفي كلمته الافتتاحية، شدد السيد آلن تشاستانيت، رئيس وزراء سانت لوسيا على “أهمية ممارسة حق الشعوب غير المستقلة في تقرير المصير الذي يعتبر حقا أساسيا نالت على أساسه معظم بلدان المنطقة استقلالها”.
وقد أكد رئيس الوزراء على ضرورة الاستناد إلى منطوق القرار التاريخي 1514 الذي اعتمد عام 1960 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤكدا على ضرورة “الأخذ في الحسبان هذا القرار الذي يحدد معايير ميثاق الأمم المتحدة لتنفيذ مبدأ تقرير المصير”.
كما أكدت عدة بلدان خلال مداخلاتها على ضرورة “تسريع عملية تصفية الاستعمار في المناطق الـ17 المدرجة على جدول أعمال اللجنة”. وتضم الأقاليم السبعة عشر بالإضافة إلى الصحراء الغربية جبل طارق وجزر الفوكلاند (مالفيناس)وبرميودا وجزر العذراء البريطانية وغوام وكايمان وساموا وبولينيزيا وكالدونيا الجديدة وغيرها.
ومن المفترض أن تخصص هذه اللقاءات الدورية لمناقشة كيفية التخلص من بقايا الاستعمار القديم للأقاليم المذكورة من خلال وضع الشعوب والأقاليم غير المستقلة على طريق تقرير المصير طبقا لمخطط عمل العقد الدولي للقضاء على الاستعمار والميثاق واللوائح الأممية في هذا المجال ودعوة المجتمع الدولي مجددا لتحمل مسؤولياته لإنهاء الاستعمار.

وقد أثارت مناقشة بند الصحراء الغربية المطروحة على جدول أعمال الملتقى جدالا واسعا وحادا بين السفيرين لدى الأمم المتحدة المغربي، عمر هلال، ونظيره الجزائري، نذير العرباوي.
وقد أكد الحضور على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره من خلال مداخلاتهم في الجلسة المخصصة لقضية الصحراء الغربية. وقد أجمع ممثلو الدول المشاركة أن “مسار تصفية الاستعمار لم يستكمل بعد”، مؤكدين أن “الأمر يمثل مصدر قلق حقيقي” في الوقت الذي تستهل فيه الأمم المتحدة السنة الثانية للعشرية الدولية الرابعة للقضاء على الاستعمار.
وقد أحضر السفير المغربي معه مجموعة قال إنهم يمثلون الصحراويين المغاربة في “الصحراء المغربية”. وهاجم الجزائر معتبرا أن النزاع الحالي ليس بين الصحراويين والمغرب بل بين الجزائر والمغرب وقال إن الجزائر هي طرف في النزاع قائلا:”تقولون إنكم لستم طرفا، فلماذا تمولون البوليساريو؟ تقولون إنكم لستم طرفا، لماذا تسلحون البوليساريو؟ تقولون إنكم لستم طرفا، لماذا تتفاوضون باسم البوليساريو؟ تقولون إنكم لستم طرفا، لماذا تقومون بحملة دبلوماسية وسياسية لصالح البوليساريو؟ تقولون إنكم لستم طرفا، لماذا استدعيتم سفيركم في مدريد لأنها اتخذت موقفا من مبادرة الحكم الذاتي؟ تقولون إنكم لستم طرفا، لماذا تقومون باتخاذ مواقف من كل دولة تغير موقفها حول الصحراء المغربية؟ لماذا أغلقتم الحدود المغربية الجزائرية وتشترطون فتحها مقابل قضية الصحراء؟ إنها الحدود الوحيدة المغلقة في العالم بين بلدين شقيقين عربيين ومسلمين يتحدثان اللغة نفسها. هذه هي الحجج القاطعة التي تدل على كونكم طرفا معنيا وليس مراقبا”.
وردا على السفير الجزائري حول من تمثل هذه التي جاءت من المناطق الصحراوية قال هلال: “تسأل السيدة غالا من تمثل؟ سأخبرك بذلك. إنها تمثل مئات الآلاف من مواطني الصحراء المتشبثين بمغربيتهم. كما أنها تمثل 20 ألف صحراوي، من النساء والرجال والأطفال وأبناء العمومة والإخوة والأمهات الذين يتعرضون للاحتجاز في بلدك في مخيمات تندوف”، مؤكدا أنه “إذا كانت الجزائر لا ترغب في أن يتم ذكرها، فما عليها إلا أن تحرر هؤلاء السكان وتسمح لهم بالعودة إلى ديارهم بالمغرب”.
كما أثار السفير هلال مرة أخرى موضوع حق تقرير المصير لمنطقة القبائل في الجزائر، وهو ما اعتبره السفير الجزائري تجاوزا لكل حدود قائلا: “فيما يخص مزاعم “حق تقرير مصير منطقة القبائل: “إن الوفد المغربي يسعى من خلال هذه الإدعاءات و بشكل بائس إلى إحداث حالة من اللبس و خداع الرأي العام الوطني والدولي باللجوء إلى اختلاق مسألة موازية لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والمعترف به من طرف الشرعية الدولية ولوائح الأمم المتحدة ذات الصلة”. وأضاف: “إن كل فئات المجتمع الجزائري التفت حول حركة التحرير الوطني التي قادها جيش التحرير الوطني. فمن بين قادة حرب التحرير الوطني الذين كتبوا تاريخ الثورة الجزائرية المجيدة هنالك وجوه تاريخية تنتمي إلى هذه المنطقة من البلد”. وذكر السفير بهذا الخصوص بعض الأسماء مثل حسين آيت أحمد وكريم بلقاسم والعقيد عميروش وعبان رمضان وعمران أوعمران. “هؤلاء ليسوا سوى بضعة أسماء من قائمة طويلة من المكافحين الأبرار في سبيل الحرية”. وأضاف قائلا “أحب من أحب و كره من كره: الجزائر جمهورية واحدة غير قابلة للتجزئة وهو مبدأ رسّخه شعبها في كل دساتير البلد منذ الاستقلال سنة 1962.”

و بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية قال العرباوي إن الشعب الصحراوي يعيش تحت وطأة سجن كبير في الأراضي المحتلة ووسط حصار بوليسي، في ظل انتهاك للحريات وحقوق الإنسان والتعذيب والاعتداءات في حق النساء وعمليات الاختطاف القسرية. وذلك كله أمام الصمت الصارخ لبعثة الأمم المتحدة لمراقبة الاستفتاء في الصحراء الغربية المعروفة باسم “مينورسو”. وقال إن تلك المناطق تشهد انتهاكات مكثفة وممنهجة وصارخة لحقوق الإنسان ارتكبها المغرب في حق المواطنين الصحراويين ضاربا عرض الحائط بالقواعد الأساسية للقانون الدولي سيما منع التعذيب بل وحتى القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق أساسا بمعاملة السجناء الصحراويين القابعين في السجون المغربية”.
وأضاف لقد تعرض المدنيون الصحراويون الذين خرجوا إلى الشارع في شباط/ فبراير 2022 لإحياء الذكرى الـ46 لإعلان الجمهورية الصحراوية إلى القمع والاعتداءات وذكر بوضع عائلة المناضلة خيا في مدينة بوجدور المحتلة التي تعيش الحصار منذ عدة سنوات وما تتعرض له الأختان سلطانة والواعرة، التي تعرض منزل عائلتها في شباط/فبراير 2022 إلى هجوم شامل كما تعرضت هي للتعذيب. وذكر بحالات الاختفاءات القسرية مشيرا إلى مصير أكثر من 400 حالة من المدنيين الذين اختفوا وظل مصيرهم مجهولا إلى اليوم. “وما زاد الطين بلة هو منع المراقبين الدوليين ووسائل الإعلام ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان من الدخول والتحقيق والاطلاع على حقيقة الوضع”.
وحول اتهام السفير المغربي، عمر هلال، الجزائر بإغلاق الحدود بين البلدين وأسباب ذلك قال السفير إن ذلك حدث عقب الاعتداء الذي استهدف فندق أطلس أسني بمدينة مراكش سنة 1994 الذي اتهم على إثره المغرب حينها الجزائر ظلما حيث استدعى مئات الجزائريين إلى محافظات الشرطة المحلية مطالبا جميع الرعايا الجزائريين المتواجدين بالمغرب بمغادرة التراب المغربي في مدة لا تزيد عن 48 ساعة. كما قرر المغرب بعدها فرض تأشيرة دخول على الرعايا الجزائريين.
“ومن منطلق تطبيق قاعدة المعاملة بالمثل قررت الجزائر فرض تأشيرة على الرعايا المغاربة علاوة على غلق الحدود البرية بين البلدين التي كانت تشهد عام 1994 منطقة عبور للأسلحة الموجهة للإرهابيين وللمتاجرة بالمخدرات”.
وفي كلمته أكد السفير نذير العرباوي أن الجزائر “باعتبارها أمة صنع مصيرها نضال مؤسسيها من أجل الحرية والتحرر وكون قناعتها الراسخة و التزامها بالدفاع دون هوادة عن حق كل الشعوب في تقرير مصيرها بحرية لطالما تمسكت وستظل متمسكة بمهمة تصفية الاستعمار النبيلة”.
وذكر العرباوي أيضا بـ “الدور الحاسم” للاتحاد الإفريقي الذي “سعى دوما للمساهمة في جهود السلام في الصحراء الغربية وآخر مثال على ذلك كان في آذار/مارس 2021 خلال انعقاد قمة رؤساء دول و حكومات مجلس السلم والأمن الخاصة بالصحراء الغربية”. كما ركز في كلمته على “عجز و عدم قدرة المينورسو على مراقبة وضع حقوق الإنسان في الجزء المحتل من الصحراء الغربية وتبقى البعثة الأممية الوحيدة التي تفتقر إلى تشكيلة خاصة بمراقبة حقوق الإنسان”.
كما أشار إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك “سوى سبيل واحد يجب اتباعه ألا وهو استئناف المفاوضات المباشرة بنية حسنة بين طرفي النزاع، المغرب وجبهة البوليساريو، من أجل حل سياسي عادل دائم ومقبول من الطرفين يضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربية عبر تنظيم استفتاء تقرير المصير”.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.