منتدى أصيلة: خبراء يناقشون تحولات النظام العالمي في ضوء حرب أوكرانيا

Advertisement

الرباط : أسدلت مؤسسة «منتدى أصيلة» في المغرب، الستار على فعاليات «موسم أصيلة الثقافي» الذي شكّل فضاء لإثراء النقاش الفكري حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، آخرها قضية «أي نظام عالمي بعد حرب أوكرانيا؟» .
الخبير الاقتصادي المغربي إدريس الكراوي، رئيس جامعة الداخلة المفتوحة، أوضح في مداخلته أن الحرب الروسية ـ الأوكرانية تخفي وراءها صراعاً على مستوى الفكر الاستراتيجي، من تجلياته استمرار وتجديد دهاء الفكر الاستراتيجي الأمريكي القائم على ركيزة أساسية، هي الاستثمار الذكي للحرب ولإذكاء الصراعات لضمان استمرار هيمنة الولايات المتحدة على العالم وإضعاف منافسيها وأعدائها وعلى رأسهم الصين وروسيا، اعتماداً على مبدأ جديد هو «استراتيجية الخراب».
وتابعت «الشروق نيوز 24» فعاليات الندوة عبر البث الإلكتروني المباشر، حيث أثار الكراوي تخلّف الفكر الاستراتيجي الأوروبي الذي قال إنه أخطأ وما زال يخطئ في تحديد أعدائه، فاختياره لروسيا كعدو يمكن اعتباره ـ في اعتقاده ـ خطيئة جسيمة، مما لا شك فيه ستكلف أوروبا الشيء الكثير على أكثر من صعيد، إقليمياً ودولياً.
وعلاوة على ذلك، لفت المتحدث الانتباه إلى تطور وعي مواطناتي عالمي جديد، لا سيما لدى المجتمعات غير الأوروبية في تمثلاتها لعالم اليوم كعالم مهيكل حول قطب عدو للشعوب والعالم وهو الغرب، وعالم متعدد الأطراف حضارياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً، لكنه تواق إلى فك مختلف أشكال التبعية إزاء الغرب.
كما تطرق الخبير المغربي إلى بزوغ فكر استراتيجي جديد على صعيد الأقطار غير الغربية، قوامه الاعتماد على الذات وعلى القدرات الداخلية من جهة، ومن جهة أخرى على تطوير جيل جديد من التحالفات الجيوستراتيجية.
وتوقع أن تفرز هذه التحولات العميقة على صعيد الفكر الاستراتيجي أقطاباً قوية وتحالفات جديدة وأشكالاً متنوعة من التعاون والشراكة والاندماج، قائمة على بناء جديد وقوي مستقبلي للأرضيات القطرية والبين قطرية والإقليمية في تمظهراتها الاقتصادية والتجارية والبشرية والأمنية والعسكرية.
كما أنها ـ يضيف إدريس الكراوي ـ ستدفع إلى خلق واقع دولي جديد قد يؤدي إلى الإسراع بإصلاح منظومة الأمم المتحدة، وستكون لهذه الاتجاهات انعكاسات على وتيرة إنجاز الأجندات الدولية المهمة والأكثر استراتيجية بالنسبة للأمن الإنساني العام، سواء تعلق الأمر بالانتقال البيئي أو الانتقال الطاقي أو تعلق بالتدبير الجماعي والمشترك للقضايا الدولية الكبرى كقضية الهجرة والعدالة الرقمية والأمن الغذائي والأمن الصحي والجريمة المنظمة والإرهاب والتطرف ومحاربة الفقر.
وتابع قائلاً إن هذه التوجهات في سمات الفكر الاستراتيجي الحالي قد تؤدي إلى تعطيل حل بعض النزاعات أو تهميشها وعلى رأسها تهميش القضية الفلسطينية. كما أنها قد تؤدي إلى تعميق أزمة الحَوْكَمة الدولية للحروب والنزاعات، مما يشكل تهديداً حقيقياً للأمن الإنساني، وبالتالي إلى وضع العالم أمام المجهول وعدم الاستقرار والخراب الذاتي.
ثم استعرض العناصر التي قال إنها ستكون حاسمة في إيجاد الأجوبة الكفيلة بتمكين الحكومات والمجتمعات من ربح الرهانات المرتبطة بتحقيق أمنها واستقرارها وازدهارها، وهي الاقتصاد والتكنولوجيا والحوْكمة.
في السياق نفسه، اعتبر محمد تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس في الرباط، أن العالم اليوم بصدد التحول إلى تعددية الأقطاب التي تهيمن على المجتمع الدولي، ولكن التمحور الأساسي للأقطاب الكبرى يتجه تدريجياً نحو موسكو، كما لاحظ متسائلاً: كيف يمكن أن نفهم أن كلاً من الصين والهند وإيران وكوريا الشمالية وقد تمتد اللائحة، تميل نحو روسيا؟ بل لاحظنا أن حتى البلدان التي هي حليف مركزي للولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تغير مواقفها، مستدلاً على ذلك بالإمارات والسعودية.
واستطرد قائلاً إن البلدان النامية اختارت منذ وضع ميثاق الأمم المتحدة أن تكون ضحية نزوة فطرية للعيش تحت السلام والاستقرار بأي ثمن؛ وهي اليوم تؤدي هذا الثمن غالياً لأن الولايات المتحدة تطور وسائلها، والفكر الاستراتيجي يعطيها مزيداً من القوة والمناعة. ولاحظ أن أوروبا قد تؤدي الثمن تدريجياً، ولكن من سيؤدي الثمن الحقيقي أكثر هي البلدان النامية.
وختم مداخلته بالقول: «ينبغي لروح أصيلة ألا يبقى محدوداً في هذا المجال الضيق، بل يتعين أن يشمل محيطها الإقليمي والجهوي»، داعياً إلى الانفتاح على المثقفين الجزائريين والمغاربيين ككل من يشاطرون أصيلة التفكير نفسه.
من جهته، قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، إن الحرب الروسية ـ الأوكرانية أصبحت واجهة لصراعات دولية ستحدد شكل النظام العالمي الجديد، وأضاف أن «العالم يدخل مرحلة جديدة، بسبب حرب متعددة الأطراف ومتشعبة الأبعاد، ومجهولة المصير والنتائج، بعيدة عن شعارات رفض الهيمنة واحترام الشرعية، أو حتى تحرير الإنسان. واستطرد قائلاً إنه بغض النظر عن التهديدات للسلم العالمي الناتجة عن التحالفات والتكتلات العسكرية الجديدة والسباق نحو التسلح لتحقيق الأمن الذاتي التي نعيشها اليوم، يمكن إجمال التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب في ثلاث نتائج اقتصادية رئيسية هي: ارتفاع أسعار النفط، وأزمة الغذاء الوشيكة، وخطر حدوث تباطؤ اقتصادي في المنطقة الأوروبية.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.