لم أكن متفائلا أبدا بتصدّر الحزب الوطني للأحرار للانتخابات التشريعية، التي جرت بالمغرب في الثامن من شهر أيلول / شتنبر 2021، وذلك لعدّة اعتبارات، منها أن نتائج هذه الانتخابات -التي تم تنظيمها تحت الإشراف المباشر لوزارة الداخلية – لا تزال تطرح أكثر من علامة استفهام نظرا لما حملته من مفاجئات وألغاز، حيّرت كل الباحثين والمهتمين بالشأن المغربي.
الاعتبار الثاني والأهم، هو أن الحكومة الجديدة (تم تنصيبها يوم 10 أيلول / شتنبر 2021) سيقودها -باعتباره الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار– الرأسمالي والملياردير عزيز أخنوش، الذي يوصف من قِبل وسائل الإعلام بأنه “صديق الملك” و”ممثل البورجوازية الوطنية” في الحكومة. حيث دخل عالم السياسة عندما عُين وزيرا للفلاحة والصيد البحري سنة 2007 في حكومة عباس الفاسي، بعد انضمامه لحزب التجمع الوطني للأحرار، وقضى بهذه الوزارة أربع عشرة سنة، بالفشل والحصاد المرّ. إذا فهو وزير فاشل بامتياز في المجال السياسي.
الاعتبار الثالث هو أن هذا الشخص (عزيز أخنوش) الملقّب أيضا بإمبراطور المحروقات، هو أيضا رئيس “مجموعة أكوا ” صاحبة العلامة التجارية “إفريقيا غاز ” المتّهمة مع باقي شركات المحروقات بالتواطؤ فيما بينها بجني أرباح ما يناهز 17 مليار درهم، وصفتها عدة أطراف بالأرباح اللاأخلاقية وغير الشرعية على حساب الشعب المغربي. وبهذه المناسبة أستحضر قولة للأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، من حوار سابق أجراه مع إحدى وسائل الإعلام ملمّحا لعزيز أخنوش حيث قال إن “الذي يرتكب هذه التصرفات لا يستحق أن يكون غدا رئيسا للحكومة” إذا فهو جاء لحماية ثروته وتنميتها على حساب جيوب المغاربة.
يوم 11 أكتوبر 2021، وبعد تعيينه من قِبل الملك محمد السادس رئيسا للحكومة، عرض عزيز أخنوش برنامج حكومته أمام مجلسي البرلمان، ووصفه عامئذٍ بأنه مشروعٌ موحِّد للتحول الاجتماعي والاقتصادي، وأنه يرتكز على قيم التماسك الاجتماعي وتكافؤ الفرص، والفعالية، والشفافية. وأنه يقدم إجابات واقعية وطموحة للخروج من الأزمة (يقصد أزمة كورونا) واستشراف المستقبل بعزيمة وثبات، من خلال حزمة إجراءات تبتغي تفعيل مخرجات النموذج التنموي الجديد، والإجراءات التي تضمنتها برامج الأحزاب المشكلة للأغلبية، قصد الإجابة الصريحة على أولويات المواطنات والمواطنين.
لكن يبدو أن كل تلك الوعود، لم تجد العزيمة والإرادة الحكومية، لترجمتها على أرض الواقع، فبقيت حبرا على ورق، ليجد الشعب المغربي اليوم أمام وضع مخيف يسائل أمنه الغذائي، واكتفاءه الذاتي من مختلف المواد، خصوصاً أن الغلاء صار يمسّ جلّ السلع الأساسية، وعلى رأسها الحبوب والخضر واللحوم، ويؤثر بشكل مباشر على مستوى المعيشة اليومي للطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
هذا الوضع أكده استطلاع رأي أظهر أن غالبية المغاربة لا يثقون في الحكومة خلال 2022، وكشف هذا الاستطلاع، الذي أنجزه المركز المغربي للمواطنة، خلال الفترة الممتدة بين 20 أكتوبر/ تشرين الأول و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، وجود حالة كبيرة من عدم الرضا على أداء الحكومة فيما يخص تدبير الملفات الاجتماعية والاقتصادية. وبدا لافتاً، من خلال نتائج الاستطلاع، الذي استقى آراء شريحة من المغاربة ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، الاستياء الكبير تجاه التدبير الحكومي، إذ عبر 95% من المشاركين عن استيائهم من تدبير الحكومة لملفي ارتفاع ثمن المحروقات وارتفاع الأسعار، فيما قال 93% إنهم غاضبون من التدبير الحكومي لموضوع حماية الطبقة الوسطى.
لا أحد يستطيع اليوم أن يفسر للمغاربة ما يجري، فعلى المستوى الحكومي هناك فشل، وعدم تحمّل المسؤولية تجاه الأوضاع الاجتماعية المتردية، وعجز بيّن في إبداع حلول لحل هذه الأزمة الخانقة التي يعاني من جرّائها المغاربة. وعلى المستوى الشعبي هناك فئات عريضة غاضبة ومستاءة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنهجها حكومة أخنوش التي تسيّر الشأن العام بمنطق الباطرونا، حيث تمنح الامتيازات والهدايا التي لا تعد ولا تحصى للشركات في قانون المالية 2023، و”تمنح” للشعب المزيد من الضرائب الإضافية، في الوقت التي كان عليها أن تدعم المواد الأساسية والمحروقات، وإما تخفض الضريبة على الاستهلاك أو تقوم بإعفاء المواد الأساسية من الضرائب، لحماية القدرة الشرائية للمستهلكين من لهيب الأسعار.
بالأمس كان المغاربة يخرجون للتظاهر في جل المدن للاحتجاج، والتعبير عن غضبهم ورفضهم لسياسات الحكومة، واليوم نجد أن المغاربة غاضبون في صمت، ولا تتاح لهم الفرصة في الاحتجاج والتعبير، لذلك نتساءل هل المغرب يعيش أجواء الهدوء الذي يسبق العاصفة؟ وهل الانفجار الشعبي القادم قد يكون أشد خطورة مما سبق، علما بأن الغضب الصامت يكون أقوى ألف مرة من الغضب الناطق؟ أتمنى أن يتدارك المسؤولون الأمر قبل فوات الأوان.
فلاش: من جهة أخرى، كشف الاستطلاع الذي أشرنا إليه في هذه المقالة، والذي أنجزه “المركز المغربي للمواطنة” عن استياء 91% من المغاربة من تدبير حكومة عزيز أخنوش لملف محاربة الفساد، حيث لم يُسجل أي تغيير إيجابي في بخصوص تفشي مظاهر الرشوة والزبونية والمحسوبية واختلاس المال العام. وبهذا الصدد يتساءل المغاربة عن نتائج التحقيق في فضيحة التذاكر التي كان بطلها أعضاء جامعة فوزي لقجع لكرة القدم، هذه الفضيحة التي تفجّرت في قطر، قُبيل نصف نهائي كأس العا 2022، والمتعلّقة بـ”التذاكر والتنقل إلى قطر، حيث تم تسجيلُ اختلالاتٍ كبيرة على مستوى بيع التذاكر المخصصة لهذه المباراة. لذلك لا بدّ من احترام القانون، وعدم التدخل في مجرى التحقيقات التي باشرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، لأنها ليست لجنة تابعة لجامعة فوزي لقجع، ونتائج التحقيقات يتسلمها القضاء ليقول كلمته الفصل في القضية. إن مثل هذه التصرفات المُشينة التي تصدر عن أمثال هؤلاء، ستقضي حتما على كل المجهودات التي تقوم بها الدولة، لتحسين سمعة المغرب ومكانته بين الدول، وتقضي على كل أمل في إنقاذ سفينة الوطن من الغرق، فمن يا ترى يعمل على الدفع بالمغرب إلى الهاوية؟
إننا نطالب من هذا المنبر، بنشر أسماء هؤلاء المفسدين، ونشر أسماء كل المفسدين الذين عاثوا في ثروات الشعب فسادا. فإذا كانت فرنسا تهدد بنشر أسماء مفسدي المغرب، فلنكن نحن السباقين إلى ذلك، ننشر أسماءهم والممتلكات والثروات التي راكموها بفسادهم ومن ثم نتفرغ لمعركة التنمية فهي الأولى. فرنسا تهدد فقط للضغط، لأنها لا تستطيع فضح عملائها بالمغرب، فأكبر المفسدين الذين عانى منهم المغاربة ولا يزالون هم ما يسمّى “حزب فرنسا في المغرب ” إنها تلك النخب السياسية والاقتصادية التي صنعتها فرنسا قبل خروجها، ومكّنتها من دواليب الحكم ومن ثروات الشعب، لتُبقي سيطرتها على المغرب. فلمّا أدركت أن المغرب قد شبّ عن الطوق بدأت تحرك أزلامها وعملاءها التابعين لها. ولكن أنّى لها ذلك!
كاتب مغربي إيطاليا