لندن : نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للصحافي المغربي- الأمريكي إسندر العمراني قال فيه إن الأداء المذهل للمغرب في المونديال، ووصوله إلى مباراة نصف النهائي مع فرنسا والنشوة العالمية التي أحدثها، كل ذلك يمثل لحظة خاصة للمغاربة وغيرهم من العالم العربي وما وراءه.
وأضاف أن هذه ليست مجرد قصة طرف ضعيف أو قصة انتقام الجنوب العالمي ضد القوى الاستعمارية السابقة والأعداء التاريخيين أو موجة من الفخر العربي والإفريقي والإسلامي.
وقال إن أداء المغرب في كأس العالم لهذا العام يشير إلى لحظة خاصة من الوعي الذاتي والتفاؤل غير المحترس التي لم يلمسها الكاتب في هذه المنطقة منذ انتفاضات 2011.
وأوضح “أنا آخر شخص عادة ما يصدر مثل هذه التصريحات العظيمة بناء على حدث رياضي. عندما نشأت في المغرب في الثمانينيات، كنت غير مهتم بكرة القدم. في المدرسة، كنت الفتى الذي يتم اختياره بشكل أخير لدى تشكيل الفرق في فصل الرياضة البدنية. عادة ما كنت أتواصل مع الكرة عندما تأتيني ضربة طائشة في رأسي بينما كنت أتجول عبر الملعب سارح الفكر”.
وتحدث الكاتب عن الفرحة العارمة في بيروت والمغرب وفي جميع أنحاء العالم العربي ومعظم أوروبا “في ذلك المساء، بالكاد استطعت أن أنام”. فبعد ما يزيد قليلا عن 30 عاما، الأسبوع الماضي، “أنا في بيروت، على وشك البكاء، بين ذراعي نادل في بار فندق”، تغلب المغرب على إسبانيا بركلات الترجيح بعد مباراة طويلة ومتوترة وبلغ ربع النهائي للمرة الأولى في تاريخ البطولة.
وعلق على مشاهد الاحتفال الأخرى مع تقدم المغرب إلى الدور نصف النهائي بعد فوزه على البرتغال وفي أماكن دمرتها الحرب مثل غزة وتصريحات لعدد لا يحصى من المسؤولين من الحكومات والمنظمات الدولية يقدمون التهنئة.
ففي عمان، العاصمة الأردنية حيث يعيش، تقوم الشركات بتغيير إعلاناتها لجني الأموال من هوس المغرب. و”عندما أذهب إلى متجر لشراء مرتبة، يعرض علي “خصم المغرب”. كنت ذات مرة لا أفكر في كرة القدم، ولكني لم أفكر في شيء آخر خلال الأسبوع الماضي. ويبدو أن الأمر كذلك بالنسبة لمعظم الناس في المنطقة”.
ويقول العمراني إن هذه ليست مجرد شوفينية عادية للمغاربة. فقد عملت البلاد بجد من أجل ذلك، إذ قامت بإصلاح اتحاد كرة القدم منذ أكثر من عقد واستثمرت أكثر في لاعبيها. وهناك وليد الركراكي، المدرب الذهني الذي يمكنه شرح كل قرار من قراراته ببلاغة مع تحليل دقيق لنقاط القوة والضعف لدى الفريقين المتنافسين.
ولم يكن المغرب محظوظا فقط بل وتغلب، باستراتيجية دفاعية ثقيلة، وفرق أكثر خبرة وتصنيفا عاليا من خلال الجرأة والعواقب الوحشية في كثير من الأحيان على لاعبيه، الذين عانوا مرارا من الإصابات من خلال وضع أنفسهم في طريق الهجمات الشرسة.
وأضاف أن هناك الكثير لنفتخر به، ولكن الأهم من ذلك بكثير هو الحفاظ على فريقنا في الدوري الكبير، ورؤية لاعبين يشبهوننا – لوحة من البشرة البيضاء والزيتونية والبنية أو الشعر المجعد والمتعرج، ملامح حكيم زياش الحادة المتأملة، الوجه البهيج والمشرق لأشرف حكيمي وسحر حارس المرمى الوسيم ياسين بونو – يصل إلى هذا المكان المرتفع على الساحة العالمية.
وتابع “ما نشعر به هو أيضا شكل أكثر تطورا من الاعتزاز الوطني، مع عدم وجود أي من التعقيدات حول من هو مغربي “حقيقي” ومن هو ليس كذلك. ويتكون نصف الفريق من ثنائيي الجنسية، والركراكي نفسه ولد في فرنسا. جزء من نجاح الفريق هو أنه يمكن الاعتماد على لاعبين من أندية أوروبية جيدة، بالطبع، ولكن هذا ليس هو الهدف”.
وأضاف أنه في فرنسا، اشتكى السياسيون اليمينيون المتطرفون مثل إريك زمور على شاشات التلفزيون في أوقات الذروة من وجود الكثيرين من البشرة الداكنة في المنتخب الوطني، كما أنهم ساخطون لأن المغاربة الفرنسيين سيختارون دعم المغرب في نصف النهائي. في المغرب، لن يجرؤ أحد على الإيحاء بأن المنتخب الوطني لا يمثل الوطن إلى حد ما. بل على العكس من ذلك، فهو يمثل تنوع المغرب، وحقيقة أنه بلد مهاجرين، من العرب والبربر واليهود، الذين يفكرون في أنفسهم على أنهم أفريقيون وكذلك شرق أوسطيين.
وقال الكاتب إن ما نشعر به حيال كأس العالم هو ما نود أن نشعر به تجاه سياستنا ومستقبل أطفالنا ومكاننا في العالم، فهو نفس الشعور الذي شعر به الكاتب في شارع بورقيبة في تونس وميدان التحرير في القاهرة في عام 2011، والذي تخيل أن الكثيرين شعروا به في الجزائر العاصمة أو بيروت أو الخرطوم في عام 2019. فقد كانت هذه لحظات يمكننا فيها عرض صورة مختلفة للعالم عن الصورة التي نخشى أن يرانا العالم عليها: إما ضحايا أو متعصبون، يكافحون من أجل البقاء وسط الصراع والإرهاب والانحلال الاجتماعي والاقتصادي والاستبداد”.
ويرى الكاتب أنه في النهاية، فإن الفريق المغربي يمثل كيف نود أن ننظر إلى أنفسنا: واثق، ذكي، صارم، مجتهد، مرح ومفتوح. و”بغض النظر عن مدى استمراريتها، أعلم أن لحظة الغبطة هذه عابرة. لكن حتى بعد انحسار حمى كرة القدم ونعود إلى صراعاتنا اليومية، سنتمتع بمزيد من الثقة بالنفس”.