*الإدارة العامة للشروق نيوز 24 *
لساعة تشير إلى السادسة مساء من يوم سادس نونبر الجاري؛ البردُ القارس والظلام يَعُمّان مدينة هلسنكي الفنلندية؛ حركةٌ دؤوبة تعمّ داخل محلّ لبيع الكتب المستعملة، والذي يتحول مساءَ كل يوم إلى قاعة للعروض الثقافية أو الموسيقية أو ما شابهَ ذلك.
في هذا اليوم، وبينما المغاربة يحتفلون بذكرى المسيرة الخضراء، كان أعضاء من مؤيّدي “البوليساريو”، وممثلتِه بفنلندا ودولِ البلطيق يستعدون لإلقاء محاضرة حول الصحراء المغربية؛ كاميرا وطاقم القناة الأولى الفنلندية حاضران في الموعد لتوثيق الحدث لإدراجه ضمن برنامج يحظى بنسبة متابعة عالية بين الشعب الفنلندي، وعلى الجانب الآخر، كنا نحن المغاربة في الموعد.
داخل القاعة، يوجد مجموعة من الاسبان المنظمين للعرض والمساندين للبوليساريو؛ مجموعة من الشباب الذين يَنْشُطون جدا ويستميتون في الدفاع عن أطروحة البوليساريو في كل مناسبة داخل فنلندا. إضافة إلى الاسبان كان هناك حضور متوسط من الفنلنديين وبعض الأجانب المقيمين بفنلندا؛ ممثلة البوليساريو حضرت قبل انتهاء اللقاء بلحظات لإلقاء كلمة مدوّنة مسبقا وإعطاءِ تصريح للقناة الفنلندية.
ابتدأ اللقاء بعرض مقتطفٍ من شريط كارتون أُنتِج من طرف الممثل الاسباني “خافيير بارديم”؛ الشريط مليء بالأكاذيب التي تروج لأطروحة الانفصاليين ويحكي تاريخ الصحراء المغربية من وجهة نظر البوليساريو؛ بعد نهاية الشريط أفسح المجال للأسئلة والتعاليق، كان أحد المغاربة أولَ من تدخل للتعليق على ما جاء في الشريط، من ضمنه كلمة استعمار، وأثارَ احتلال مدينتي سبتة ومليلية من طرف الاسبان الذين ما فتؤوا يزعمون أن الصحراء هي آخر مستعمرة في افريقيا.
التعليق أربك الاسبانَ الحاضرين وأثار فضول الآخرين الذين أرادوا معرفة المزيد من الجانب المغربي، فكان لهم ما أرادوا؛ انتهى العرض واللقاء بعد نقاشات ساخنة بين المغاربة والاسبان وأعضاء البوليساريو من جهة، وبين المغاربة والفنلنديين من جهة أخرى.
الجانب الخفي والأهم في اللقاء هو توثيق البرنامج من طرف القناة الأولى الفنلندية، القناة التي طالما انحازت لأطروحة الانفصاليين وتبنّت وجهة نظرهم. الصحافيان الحاضران لم يكلفا نفسهما عناء أخذ وجهة نظر المغاربة الحاضرين أو توجيه أي سؤال اليهم.
على النقيض من ذلك، وجّها أسئلتهما للحضور المتعاطف والمساند للبوليساريو فقط، إضافة إلى أخْذ تصريح مطوّل لممثلة البوليساريو بفنلندا، الأمر الذي دفع أحد المغاربة إلى الاحتجاج على الصحافيين وإرسال رسالة عبر البريد الكتروني في اليوم الموالي إلى القناة المشار إليها.
البريد تضمن عبارات عتاب وتذكير بالمواقف المنحازة للبوليساريو من طرف القناة، إضافة إلى تصحيح بعض المواقف التي يرددها مؤيدو الانفصاليين؛ البريد الالكتروني كان له وقع السحر: اتصلت القناة بالسفير المغربي بفنلندا للإدلاء برأيه، إضافة إلى إظهار مواقف وتدخلات المغاربة الذين حضروا اللقاء ضمن البرنامج التلفزي الذي عُرض على شاشة القناة يوم 13 نونبر الجاري.
من خلال ما سبق نخلُص إلى أنّ المغاربة حضروا بما توفر لهم من قوة ومعلومات متواضعة للدفاع عن القضية الوطنية في مجتمع لا يزال المغرب يعتبره هامشيا بالنسبة لقضية الصحراء المغربية، وهذا ما يخالفه مغاربة فنلندنا، ومن خلال هذه الواقعة استطاعت مجموعة صغيرة جدا من المغاربة، وبمجهودات ذاتية جد متواضعة، إبداء الرأي الآخر، على الأقل، للفنلنديين من خلال برنامج تلفزي ذي شعبية واسعة يُعرض في قناة مُنحازة للبوليساريو.
الفنلنديون شعب ينصت جيدا ويقتنع إذا توفرت له أسباب ومقومات الاقناع، وأسباب الاقناع في قضية الصحراء متوفرة، كل ما يجب فعله هو طريقة الابلاغ والإرادة الحقيقية.