*الإدارة العامة للشروق نيوز 24 *
فور الإعلان عن تشكيل حكومة بنكيران في نسختها الثانية، قبل أسبوع تقريبا، انتابت موجة من الغضب صفوف أعضاء حزب العدالة والتنمية وكذا ذراعه الدعوية حركة الإصلاح والتوحيد، والملاحظ من خلال إطلالة سريعة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أن أغلب الأعضاء المنضوين تحت لواء الحزب والحركة قد عبروا عن غيضهم من مآل تجربتهم في قيادة حكومة ما بعد دستور 2011 الذي تزامن مع موجة الربيع العربي التي بوأت الإسلاميين، ومن ضمنهم حزب العدالة والتنمية المغربي، قيادة حكومات في بعض الدول التي مستها شظايا الحراك الديمقراطي بالمنطقة.
عبد العزيز أفتاتي، البرلماني “المشاغب” بحزب المصباح عن إقليم وجدة، وفي أول تصريح له للصحافة بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة قال: ” الله يلعن بو الذل” في دلالة واضحة عن الغضب الذي اجتاح تيارا واسعا المتمثل في بعض القياديين من الصف الثاني في الحزب والحركة.
وخلال اليومين المواليين من “الصدمة” التي أصابت الأعضاء والقاعدة المتعاطفة، حاول الصف الأول في الحزب والحركة، وإن بدا أن الحركة لم تحدد موقفها من الحكومة الجديدة إلى حدود اللحظة، بقيادة عبد الإله بنكيران أن يمتص غضب الأعضاء، فالأمين العام للحزب ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران خاطب أعضاء حزبه من خلال ظهوره في الإعلام الرسمي، وأما بعض القيادات فقد سارعت إلى “تثبيت فؤاد” الذين يأسوا من فكرة التغيير من داخل المؤسسات، إلى التواصل مع القاعدة عبر تدوينات وتغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي ومنهم من حبر مقالات على وجه السرعة لتطويق موجة الغضب، فكبير النقابيين والعضو البرلماني للحزب، محمد يتيم، كتب على صفحته في الفيسبوك “أن المغرب كان استثناء في التفاعل مع الربيع العربي حيث قام الملك بمبادرة استباقية تمثلت في إصلاح دستوري متقدم وانتخابات سابقة لأوانها حملت العدالة والتنمية لقيادة الحكومة كما كان استثناء في التعامل مع ” الخريف العربي” خريف الانقلاب على الديمقراطية وعودة الفلول والتمرد البلطجي. أول رئيس غير عسكري ومنتخب في السجن ويقاد الى المحاكمة العسكرية ورئيس مستبد قتل الشعب في ساحة التحرير حر طليق”.
ويبدو من خلال تدوينة محمد يتيم وهو قيادي للحركة والحزب والنقابة، وأيضا قيادي من الصف الأول، ويعتبره البعض منظرا داخل التنظيم من خلال كتاباته الأولى حول ما كان يسمى بـ”الاختيار الحضاري للعمل الإسلامي” أن تشكيل الحكومة الجديدة التي أغضبت قاعدة التنظيم لاسيما مع التخلي عن الدكتور سعد الدين العثماني وزيرا للشؤون الخارجية، قد تأثرت بما وقع في مصر من “انقلاب” على جماعة الإخوان المسلمين.
تأثر حزب العدالة والتنمية بما وقع في مصر لجماعة الإخوان المسلمين، نلفي أثره أيضا في مقالا نشرت على جريدة هسبريس الالكترونية لكل من خالد الرحموني ومحمد بولوز وغيرهم، وهؤلاء يتبوؤون مناصب قيادية داخل الحركة والحزب، في محاولة لـ” تبرير التنازلات” التي قدمها عبد الإله بنكيران أثناء تشكيل الحكومة الثانية.
لا يمكن فهم السلوك السياسي لـ PJD انطلاقا من أدبيات الإصلاح والتوحيد
يرى إدريس الكنبوري، الباحث في قضايا الحركات الإسلامية، أن هناك مرحلتين في تعامل العدالة والتنمية مع المشهد السياسي بالمغرب منذ وصوله إلى الحكومة إثر انتخابات 25 نوفمبر 2012 المرحلة الأولى: وتمتد من الفوز الانتخابي بـ106 مقعدا في الانتخابات التشريعية وتنتهي بعزل الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي في 3 يوليوز 2013.
وخلال هذه المرحلة، يضيف الكنبوري في اتصال مع هسبريس، أن حزب العدالة والتنمية كان يعتبر نفسه القائد الوحيد لعملية الإصلاح في البلاد، وأن فوزه الانتخابي كان بمثابة عربون على الحكم على الأطراف السياسية الأخرى بأنها غير شعبية ومعادية للإصلاح. فقد كان يرى أن الربيع العربي هو ربيع الإسلاميين، وأن الانتصار الانتخابي الذي حققه هو توكيل مفتوح من الناخبين. ولذلك لاحظنا أن الحزب صاغ خطابا هجوميا على النخبة السياسية بمختلف تلاوينها، ووضع رسما للمشهد السياسي في المغرب يرتكز على ثلاثة أركان: المؤسسة الملكية، الناخبون، وحزب العدالة والتنمية، ملغيا مشروعية الأطراف الأخرى التي كان الكثيرون يجتهدون في محاولة لوضعها ضمن خانة “التماسيح والعفاريت” التي وجدها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران طريقة في حسن التخلص من الإكراهات السياسية، وفي نفس الوقت آلية سياسية يتم توظيفها ضد أي طرف آخر يمكن أن يعتبره الحزب خصما له.
وأشار الكنبوري إلى ملاحظة مفادها أن حزب الاستقلال عندما كان حليفا لحزب العدالة والتنمية داخل الحكومة لم يكن ذلك يطرح مشكلة، لأن حزب العدالة والتنمية كان يعتبر دائما ـ على مستوى الخطاب العلني ـ أن حزب الاستقلال هو الأقرب إليه من الناحية الإيديولوجية، لكن عندما خرج حزب الاستقلال من الحكومة تحول أوتوماتيكيا إلى عنصر في خانة “التماسيح والعفاريت”.
وأما المرحلة الثانية، والتي تبدأ من عزل محمد مرسي وحتى اليوم، فلاحظ الكنبوري “أن الحزب بدأ يفهم بأن التحولات التي حصلت في مرحلة الربيع العربي ليست نهائية أو مغلقة، وأن الحياة السياسية مفتوحة على جميع الاحتمالات”. مشيرا إلى أنه لا يجب أن ننسى مسألة وصفها بـ”هامة جدا”، وهي أن حزب العدالة والتنمية كان “يعتبر أن فوز الإخوان في مصر بمثابة تأكيد لمشروعيته هنا في المغرب، بسبب العلائق الفكرية والعقدية بينهما، وكان يرى أن هناك خطا تصاعديا لانتصارات الإسلاميين في المنطقة، وهذا بالطبع كان يوفر له نوعا من الإسناد. هي نفس التجربة التي عاشتها الأحزاب اليسارية في الماضي في العالم العربي، مع فارق بسيط، حينما كانت تعتقد أن وصولها إلى السلطة عبر الانقلابات أو الانتخابات يجعلها في مأمن بسبب صعود موجة اليسار في العالم، ووجود مظلة الاتحاد السوفياتي”.
وعن علاقة الحزب مع الحركة لاسيما وأن الحركة لم تحدد موقفها من تشكيل الحكومة إلى حدود اللحظة، وهل يمكن محاكمة الحزب من خلال أدبيات الحركة؟؟ أجاب الكنبوري بالقول:”إن الذين يحاولون اليوم الرجوع إلى الماضي والتذكير ببعض أدبيات حركة التوحيد والإصلاح أو الحركة التي كانت قبلها، هم في الحقيقة يبحثون عن خطاب ذرائعي، لأن تجربة هذه المرحلة أظهرت أن حزب العدالة والتنمية أعطى انطباعات سلبية بوجود نزعة استفرادية لديه. ناهيك عن أن مثل هذه العودة إلى ماضي الحركة ومواقفها السابقة يوقع عناصر الحزب والحركة معا في مفارقات واضحة، لأن هؤلاء ما يفتأون يكررون بأن التنظيمان منفصلان ولا علاقة بينهما، ولذلك لا يمكن فهم كيف يتم اللجوء إلى أدبيات الحركة لتفسير السلوك السياسي للحزب”.
وخلص الكنبوري في اتصاله مع هسبريس إلى أن ما يسميه البعض تنازلات في تشكيل الحكومة الثانية التي يقودها عبد الإله بنكيران قد لا تكون بالضرورة تنازلات، “بل هي نتاج قراءة واقعية للتجربة السياسية الماضية خلال العامين الأخيرين من ناحية، ومن ناحية أخرى نتاج اقتناع بمحدودية الإنجاز على مستوى الحكومة، وهذا ما يفسر ابتهاج بنكيران بدخول عناصر ذات خبرة وكفاءة إلى حكومته والدفاع عنها في تصريحاته التلفزيونية الأخيرة، فقد اقتنع بأن رجل السياسة الذي يتكلم كثيرا ويخطب في المنصات ليس هو المؤهل بالضرورة لإنجاح تجربة حكومية، بل تراكم الخبرات، وبأن انتخابات جيدة لا تعني بالضرورة حكومة جيدة”.
بنكيران ينفذ انقلابا ضد جناح الإخوان في حركة الإصلاح والتوحيد
أما عبد الرحيم منار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، فقد لاحظ أن بنكيران وجد صعوبة كبيرة في تبرير التنازلات التي قدمها للتجمع الوطني للأحرار في حكومته الثانية، فالمتتبع لحواره الخاص ليلة الأحد الماضي، يضيف اسليمي، يستنتج أن رئيس الحكومة يقفز في تبريره من الرومانسية وحب التعارف مع “مزوار” والإعجاب به إلى تبرير إقالة “العثماني” بظروف دولية ومصالح يفسرها بارتباط وزارة الخارجية بالعالم.
وهل تأثر تشكيل الحكومة بما وقع في مصر؟ يجب اسليمي بأنه في الوقت الذي كان يعتقد أن حزب العدالة والتنمية استفاد من سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وذلك بتراجع استراتيجيات إسقاط حكومته في هذا التوقيت نظرا للتكلفة السياسية المرتفعة التي قد تنتج عن هذا السقوط ، في هذا الوقت يعمد بنكيران إلى قبول شروط اعتبرت بمثابة انقلاب منه على العدالة والتنمية وحركة الاصلاح والتوحيد.
وسجل مدير المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، تناقض بنكيران في شرحه لإقالة وزير الخارجية السابق سعدالدين العثماني بين القول إن وزارة الخارجية لم تكن موضوع نقاش ومفاوضات إلا في الايام القليلة الأخيرة قبل تشكيل الحكومة وقوله، في نفس الوقت، إن وزارة الخارجية مرتبطة بالعالم وإن هناك ظروفا دولية تتغير، ما يعني حسب اسليمي أن بنكيران قرأ الرسائل السياسية القادمة من المتغيرات الإقليمية من داخل تنظيمه الحزبي بأن قطع ،عن طريق تخليه عن العثماني ووزارة الخارجية، العلاقة وجسور الروابط التي بدأت تظهر بين جناح الإخوان المسلمين داخل حزبه والجناح الإخواني الجديد في العالم العربي.
وخلص اسليمي في اتصاله مع هسبريس إلى “أن التنازل عن الخارجية لا يمكن تفسيره بموقف أمريكا التي لازلت تساند تجربة العدالة والتنمية وليس مرتبطا بالسعودية، وإنما بصراع داخلي بين أجنحة حركة الإصلاح والتوحيد المؤثرة على حزب العدالة والتنمية، أي جناح الإخوان المسلمين الذي بدا في بناء شبكة من العلاقات مع إخوان الدول العربية والإسلامية الأخرى، وبين الجناح الثاني الذي يقوده بنكيران وهو جناح الإسلاميين الليبراليين الحزبيين أكثر من الدعويين”. مشيرا إلى أن “حجم التنازلات المقدمة من قبل بنكيران وإبعاد العثماني عن الخارجية ، قد ساهمت في الانقلاب عن جناح الإخوان داخل حركة التوحيد والإصلاح والحزب بتسليم وزارة الخارجية الى مزوار، والتداعيات داخل الحزب ستظهر في الشهور المقبلة وسيكون التمرد من داخل حركة الاصلاح والتوحيد التي تلتزم الصمت الى حد الان”.