هل المغرب في حاجة إلى ديموقراطيه إجتماعية ؟؟

Advertisement

د. خالد الشرقاوي السموني ….
كاتب و ناشط حقوقي….

إن مشكلة الليبرالية التي عانى منها العالم في القرن العشرين هي أنها تتعلق دائما بالليبرالية الإقتصادية المتوحشة والتي تعني التحرر الكامل للإقتصاد وهيمنة منطق السوق والربح على حساب العدالة الإجتماعية، و إيقاف دور الدولة في المجتمع وتحويل الخدمات الصحية والتعليمية إلى القطاع الخاص ونظام السوق، مما قد ترتب عن ذلك من أوضاع و أزمات اجتماعية كارثية ، ولذلك نشأ في الكثير من الدول الأوروبية وأميركا اللاتينية في نهاية القرن الماضي الفكر الجديد الذي يجمع ما بين الليبرالية السياسية واليسار الإجتماعي وهذا الفكر أطلق عليه “الديمقراطية الإجتماعية أو السوسيو ديموقراطية Social Democracy

ذلك أن التجارب السياسية للدول أظهرت أن كل سياسة لا تحترم حاجات الإنسان الأساسية ، (التربية – الشغل – الصحة – العدالة ) ، محكوم عليها بالفشل. ومن هذا المنطلق ، يمكن للديمقراطية الإجتماعية ضمان هذا الحقوق الأساسية للمواطنين و إشراكهم في إتخاذ القرارات وفى الدفاع عن مصالحهم .

فمثلا ، بدون عدالة في الدخل والتعليم وفرص الحياة ، ستكون الحرية مهددة من قبل اللوبيات الإقتصادية المسيطرة على المجتمع والشركات المفترسة التي تعمل وفقا لمصالح الليبرالية المتوحشة ، وبدون الحرية في الدفاع عن الحقوق، لن تجد العدالة صوتا يدافع عنها.

وتتجلى أيضا أهمية تطبيق الديمقراطية الإجتماعية في كونها تحترم مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة والمساواة ، ويتجلى ذلك في مضامين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، وعلى الخصوص العهد الدولي للحقوق الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية ، لتقاطعه مع الفكر الديموقراطي الإجتماعي .

حماية الضمان الإجتماعي للجميع على السواء، إذ أن هناك حدا أدنى للكرامة الإجتماعية ، تسعى إلى الحفاظ عليها بالنسبة لجميع أفراد المجتمع.

فضلا عن ذلك ، تحاول الديمقراطية الإجتماعية الحفاظ على التوازن بين حاجات الفرد من جهة وحاجات المجتمع من جهة أخرى ، وهى في محاولتها تلك تؤمن بقدرة الإنسان على تخطى مصالحه الضيقة من أجل أن يعيش في مجتمع أفضل تذوب فيه النزعة الفردية .

وكما تهتم الديمقراطية الإجتماعية بالحقوق الإجتماعية للفئات المهمشة والمحرومة، فإنها تهتم أيضا بالحقوق البيئية حتى تتمكن الأجيال القادمة من التمتع بحقها في الحياة في عالم يخلو من التلوث ، وكل ما يشكل عناصر البيئة التي تخص الجنس البشرى ككل بأجياله الحاضرة والمستقبلية.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد ، إلى أن الديمقراطية الإجتماعية تعتمد على الإصلاح التدريجي للنظام الإقتصادي للدولة بإدخال مفاهيم العدالة الإجتماعية ودمجها مع الليبرالية السياسية المعتمدة على الحريات وحقوق الإنسان وتنظيم الحرية الإقتصادية والمبادرة الفردية بما لا يتعارض مع مصالح المجتمع ، لأن المجتمعات التي أطلقت عنان الحرية الإقتصادية بدون ضوابط قانونية عرفت أزمات إجتماعية وحركات إحتجاجية متكررة . فما يحدث الآن في فرنسا من إضطرابات إجتماعية و إحتجاجات نظمها أصحاب ” البدلات الصفراء” كان نتيجة هيمنة الليبرالية على السياسية الإقتصادية دون أن تترك مجالا للديموقراطية الإجتماعية : المساواة والعدالة الإجتماعية و التضامن الإجتماعي و الحماية الإجتماعية.

وبناء على ما سبق ، نرى أن المغرب ، كدولة نامية صاعدة ، يؤسس حاليا لنموذج تنموي جديد ، لابد له إستلهام أهم مبادئ الديموقراطية الإجتماعية وإعتمادها في سياساته العمومية ، لأن هناك إرتباط وثيق بين النموذج التنموي و بين هاته الديموقراطية ، حتى تتحقق العدالة الإجتماعية للجميع ، كما يمكن للدولة تحقيق أهم الحقوق الإجتماعية للمواطن : التربية و التكوين و الشغل و الصحة .

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.