هل جاءت القمة الافريقية الحالية في واشنطن ردا على قمة الرياض واعترافا أمريكيا بخسارة العرب والخليج لمصلحة الصين وروسيا؟ ولماذا نتنبأ مسبقا بفشل هذه الخطوة المتأخرة ونترحم على روح العقيد معمر القذافي؟

Advertisement

عبد الباري عطوان
أخيرا، وبعد إهمال استمر لعدة عقود، تذكرت الادارة الامريكية فجأة ان هناك قارة كبرى مليئة بالثروات المعدنية والنفطية إسمها افريقيا، وقررت استقبال حوالي 50 من زعمائها في قمة بدأت امس الثلاثاء وتنتهي غدا الخميس، والهدف الرئيسي من ورائها هو الاعتذار غير المباشر عن هذا الإهمال والتعالي، ومحاولة بناء شراكة في ميادين الاقتصاد وبما يؤدي الى استعادة الثقة، وفتح صفحة جديدة في العلاقات.
الزعماء الافارقة التي هبطت طائراتهم الخاصة في مطار واشنطن، وجرى فرش السجاد الأحمر لاستقبالهم، يجب ان يصلوّا عدة ركعات شكرا وتقديرا للصين، وبدرجة اقل روسيا وتركيا، الدول التي اهتمت بالقارة السوداء منذ عقود، وكانت الدول الأكثر مساهمة في تأسيس بناها التحتية وتقديم القروض والمساعدات المالية، وتوفير المهارات اللازمة في شتى المجالات.

الاستقبال الحافل الذي حظي به الرئيس الصيني تشي جين بينع في الرياض، وحضوره ثلاث قمم عربية، واحدة ثنائية سعودية صينية، والثانية صينية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والثالثة عربية صينية، هذا الاستقبال، وهذه القمم، كانت بمثابة “الصاعق” الأول لهذه الصحوة الامريكية بالنظر الى أكثر من 100 مليار دولار من الصفقات التجارية والمشاريع المشتركة مع الصين، اما “الصاعق الثاني”، فتمثل في رفض معظم قادة القارة الافريقية الطلب الأمريكي بإدانة اجتياح القوات الروسية للأراضي الاوكرانية.
أمريكا خسرت معظم دول الشرق الأوسط، مثلما خسرت معظم دول الخليج، المخزون الاستراتيجي للثروة النفطية والغازية، وآلاف المليارات من الدولارات من الأرصدة والصناديق السيادية المالية، ولهذا هرولت قيادتها الى افريقيا في محاولة لتعويض هذه الخسائر كليا او جزئيا.
لنبسّط الصورة أكثر، ونضرب مثلا عن هذه العنصرية الامريكية تجاه القارة الافريقية بالقول، انه بينما بلغت قيمة التبادل التجاري بين الصين والقارة الافريقية عام 2021 حوالي 261 مليار دولار، لم يزد حجم نظيره الأمريكي عن 64 مليار دولار، وبما يمثل 1.1 بالمئة من حجم التجارة الامريكية مع العالم.
نزيدكم من الشعر بيتا، ونقول ان الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي سيقيم حفل عشاء للقادة الافارقة الخمسين في البيت الأبيض غدا، رصد 55 مليار دولار من المساعدات للقارة الافريقية كلها على مدى ثلاث سنوات، أي ما يوازي ما قدمه لاوكرانيا في تسعة أشهر (60 مليار دولار) وهناك دفعة مساعدات أقرها الكونغرس لكييف بحوالي 40 مليارا، والعداد مستمر في العدّ.
طريقة التعاطي الأمريكي مع القارة الافريقية ينطوي على الكثير من التعالي والغطرسة، فالدعوات التي جرى توجيهها الى القادة الافارقة الخمسين لم تكن لائقة، وكانت بمثابة “استجلاب” لهم الى العاصمة الامريكية، وكان الأحرى بالرئيس بايدن اذا كان مهتما بهؤلاء وجادا فعلا في نواياه، ان يذهب اليهم في عقر دارهم، مثلما اضطر للذهاب خانعا الى الرياض طالبا الصفح، ولكنه لم يفعل.
الرئيس السنغالي ماكي سال رئيس الاتحاد الافريقي رسم صورة دقيقة لهذا التعالي والاهمال الامريكي للقارة عندما قال في حديث لصحيفة “نيويورك تايمز” وبكل أدب ودبلوماسية “عندما نتحدث للامريكان لا يستمعون الينا، فأمريكا لا تلتزم بتعهداتها والقارة الافريقية لا تحظى بما تستحقه من الاحترام الأمريكي للأسف”، وما لم يقله الرئيس سال ان الرئيس بوتين احتفى بالقادة الافارقة في منتجع سوتشي واكرم وفادتهم، اما الرئيس الصيني فأكرمهم وقدم لهم مساعدات فورية بأكثر من 60 مليار دولار لدعم التنمية في القارة عند لقاءه بهم مطلع هذا العام.

هذا التذّكر المفاجئ للقارة الافريقية من قبل الرئيس بايدن، والحفاوة الزائدة بزعاماتها، يعكس بداية مراجعات سياسية واستراتيجية أمريكية “متأخرة” أبرز عناوينها الذعر من وجود منافسين أقوياء في بكين وموسكو سحبوا البساط من تحت اقدام واشنطن، ووضعوا حجر الأساس لنظام عالمي متعدد القوى، وان احتكار امريكا لعرش العالم بدأ يتأكل بشكل متسارع.
نختم هذا المقال بالترحم على روح العقيد الليبي معمر القذافي الذي كان اول من راهن على القارة الافريقية، واستثمر في تنميتها، وتنبأ بمستقبلها ونهوضها ومكانتها العالمية، وكان أحد أبرز مؤسسي اتحادها الحالي، واشترى عشرات الاطنان من الذهب لتكون رصيدا لدعم الدينار الافريقي البديل عن الدولار والعملات الغربية، وتأسيس نظام مالي مستقر ومستقل، ولهذا السبب قرر حلف الناتو بزعامة أمريكا اغتياله، وإسقاط نظامه، وبمساعدة الجامعة العربية وبعض حكوماتها تحت اكذوبة الديمقراطية وحقوق الانسان، نقولها وفي الحلق مرارة.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.