في يوم السابع من أكتوبر إستفاق نتنياهو، ومعه باقي الكيان الصهيوني على وقع الصدمة التي أحدثتها حركات المقاومة الفلسطينية، والتي هزت أركانه وكسرت أسطورته التي أرعبت العالم، الجيش الذي لا يقهر.
خرج وزير دفاعه يؤاف غلانت بتصريح نازي عنصري بوصفه الفلسطينيين حيوانات بشرية ومتوعدا بحصار شامل، لا ماء ولا كهرباء ولا طعام لقطاع يعاني سكانه الحصار منذ عقود، ولا تفاوض مع من سماهم إرهابيين إلا بالقضاء على وجودهم وتدمير أنفاقهم واستعادة الأسرى، وهو الأمر نفسه أكده رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو وهو مالم يتحقق.
وبقطع الكهرباء والوقود عن غزة، ظنت إسرائيل أنها تستطيع خنق الأنفاق من خلال وقف التهوية والإنارة فيها، وبخنق الأنفاق يعني حتما خروج مقاتلي حماس منها للقتال فوق الأرض أو الإستسلام .
خبراء يرون أن سقف إسرائيل القضاء على المقاومة، هو وقع الصدمة التي إستفاق عليها نتنياهو وباقي مكونات الكيان الصهيوني، فلأزيد من شهرين على التوالي وحرب مسعورة تدور رحاها في قطاع غزة، راح ضحيتها الآلاف من الشهداء دون تحقيق أي من نتائجها المعلنة.
تدخل وسطاء على خط وقف الحرب أو هدنة إنسانية مؤقتة وتبادل للأسرى، لكن تعنت العدو حال بلوغ هذا الهدف، ظنا منه أن بالقتل والتهجير وسياسة التجويع والتعطيش لسكان أبرياء سيجبر المقاومةعلى الاستسلام أو إطلاق سراح الأسرى دون شروط أو قيد ، بيد أن إخفاق العدو إستخباراتيا وصمود المقاومة الأسطوري أمام جيشه وجهله بمقوماتها ، وغليان شارع الكيان الصهيوني، وبعد 46 يوما من الحرب ومن التماطل والمراوغة دفع نتنياهو إلى الموافقة على هدنة إنسانية لمدة أربعة أيام طالبا تمديدها وعلى شروط المقاومة .
مددت الهدنة لثلاث مرات متتالية بمعدل ثلاثة أيام إضافية، وما إن إنتهت المدة حتى عاد القصف والدمار للمنازل والمساجد ومراكز الإيواء ونزوح الأهالي وتناثر الجثت، وعاد نتنياهو من جديد الى تصريحاته الأولى، أنه لا تفاوض ولا وقف للحرب إلا بالقضاء على حماس وإستعادة الأسرى وتدمير الأنفاق .
ومع نهاية الهدنة المؤقتة وإستئناف الحرب، وجه الإحتلال صواريخه ومدفعيته إلى جنوب ووسط قطاع غزة، معتقدا أن الحركة محاصرة ومعزولة وسيكون من السهل القضاء عليها..
لكن ومع إستمرار المظاهرات في الداخل الصهيوني المنتقدة لتعاطي حكومة الإحتلال مع ملف الأسرى، ولإستمرار الحرب، ومطالبين بقبول شروط المقاومة وإستعادة الأسرى خاصة مع إرتفاع عدد القتلى في صفوف الجيش، والأنباء عن عثور جيش الإحتلال على أسرى مقتولين من جراء القصف العشوائي، فعادت الإدعاءات والأكاذيب للمسؤولين العسكريين للاحتلال أن شمال قطاع غزة بات تحت السيطرة ، وإكتشاف أنفاق ومخازن أسلحة، والقضاء على قياديين في حماس، لإرضاء الداخل الإسرائيلي المشحون.
لكن حركة المقاومة فندت هذه الإدعاءات بمواصلة إطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني من شمال القطاع وخلق مزيد من الرعب وسط ساكني الكيان .
نتينياهو صم أذنه وتجاهل الخطاب الموجه إليه وإلى قادة جيشه من الناطق العسكري لكتائب القسام، أن الأسرى الإسرائليين لن يطلق سراحهم ولن يعودوا إلى ديارهم، إلا بتبييض سجون الإحتلال من الأسرى الفلسطينيين، وأن غزة ستكون مقبرة لجنوده.
وعد تحقق شطره الثاني في إنتظار أن يتحقق الشطر الأول ( بإذن الله )، فغزة أصبحت مقبرة لجنود الإحتلال وسوق لبيع الخردوات من دبابات واليات الاحتلال المتوغلة في قطاع غزة من شماله الى جنوبه.
ومن شدة حر الهزائم والخسائر في الجيش والعتاد، ونظرا للإنتقادات الموجهة إلى نتنياهو من الداخل الإسرائيلي وإدعاءاته باتت مكشوفة، بدا تائها بين أنفاق غزة بحثا عن إنتصار وهمي يقدمه للاسرائليين خوفا من تآكل الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود، والضغط الدولي المتزايد لوقف الحرب..
فلم يجد أمامه سوى إعتقال مجموعة من الفلسطينيين المدنيين النازحين ، وإعتبارهم مقاتلين من حركة المقاومة الفلسطينية إستسلموا أمام الجيش الصهيوني، ناهيك عن حجز بطاقة بنكية تحمل إسم رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة حماس في الخارج إسماعيل هنية، قبل أن تكشف التحقيقات أنها منتهية الصلاحية وتعود لشخص آخر يختلف مع هنية في إسم الجد.
وفي إستمرار نتنياهو البحث عن نصر وهمي يقوم بتسويقه للداخل الاسرائيلي، الذي لم يعد يثق في حكومته، لجأ الى منزل رئيس حركة المقاومة الفلسطينية حماس يحيى السنوار ليقوم بمحاصرته من كل الجهات، واعتباره صيد ثمين ونصر عظيم.
وبعد75 يوما من الحرب على غزة والدمار والخراب والجوع والتوحش، وبتكتيكات حربية من طرف مقاتلي المقاومة، التوغل البري لم يتجاوز كيلومترات معدودة، ويعود الجند أدراجهم بأثمان باهضة ، ولا يستطيعون البقاء في الأماكن حيث يتوغلون ، فهناك الأنفاق يحذر جنرالات من الضياع فيها، كما حدث في الأنفاق المفخخة التي فجرت بمن نزلوا إليها وأصبحوا أشلاء متناثرة ، الكمائن المنصبة والأنفاق المفخخة جعلت نتنياهو يراجع حساباته كي لا ينزل نفقا يظل طريق الصعود منه.
وبعد أن رفض التفاوض بشأن الأسرى واستأنف حربه المسعورة وسحب وفده المفاوض في الدوحة، جاء يجثو على ركبتيه من جديد متوسلا الوسطاء، التوسط لدى حركة المقاومة الفلسطينية لطلب هدنة إنسانية أخرى، والإفراج عن الأسرى، وهو ما أكده مسئولون إسرائيليون عدة مرات في انتظار رد حركة المقاومة.
هذه الأخيرة ردت على مطلب نتنياهو بشكل مباشر وعلى وسائل الإعلام من طرف مسؤوليها في قطاع غزة وخارجه برفع سقف مطالبها، أنه لا تفاوض دون توقف للحرب أولا، وأن الأسرى الإسرائليون لن يخرجوا إلا بالتفاوض وتبيض سجون الإحتلال من الأسرى الفلسطينيين رغم التهديد بغمر الأنفاق .
القضاء على حماس حلم يراود الإحتلال لتحقيقه منذ سنوات بحجة القضاء على الإرهاب، وزاد هذا الحلم يراوده مع أحداث السابع من أكتوبر، أما كيف؟؟ فهنا تضيع الإجابة .
لكن هل لإسرائيل القدرة فعلا القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية حماس كما هو الهدف المعلن من حربها المسعورة على قطاع غزة ؟؟ ، وهل القضاء عليها يعني إستئصالها كفكرة وكهيكل سياسي وعسكري لدى الشعب الفلسطيني ؟؟
برر العدو الصهيوني جرائمه بقتل المدنيين بالبحث عن عناصر حماس داخل المنازل، مشاهد تخفي وراءها أرواح أزهقت بلا ذنب وعلى مرآى ومسمع من المنتظم الدولي وحلفاء الإحتلال من الحكام العرب والغرب، الذين يواصلون الصمت على القتل العشوائي بصمتهم المريب، وعجزهم عن مواجهة الظلم والعدوان الآثم.
وتظن إسرائيل أنه في حال القضاء على حكم حماس ستقضي في غزة على الحركة نهائيا ، وهو أمر يراه خبراء عسكريون من داخل إسرائيل وخارجها، انه محاولة يائسة، وان الحركة منذ تأسيسها خاضت عدة حروب مع إسرائيل، واستطاعت هذه الأخيرة القضاء على بعض قادتها أبرزهم احمد ياسين رحمه الله ، لكنها لم تستطع القضاء على حماس كفكرة، وأن حماس كهيكل سياسي وديني وثقافي و عسكري تحضى بدعم جماهيري في قطاع غزة ، وأن القضاء عليها من ضرب المستحيل حتى ولو قتل كافة قادتها.
من جانبه يرى جاستن كرامب ضابط سابق في الجيش البريطاني ، أن إسرائيل يمكنها القضاء على منصات إطلاق الصواريخ وتدمير الأنفاق لكنه لن يكون قادرا على القضاء على فكرة حماس ، وأن تدمير حماس بالوسائل العسكرية لن يحدث أي فرق لأنه في الوقت الذي سوف ينقلب فيه بعض سكان غزة على حماس، فان بعضهم سوف يشعر بالإستياء من إسرائيل ومن تصرفاتها ويتعاطف مع حماس وهذا مايغذي دائرة العنف.
وحسب رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق أيهود باراك : أنه لايمكن القضاء على حركة حماس، فلو كان رئيس الحكومة في وعي طبيعي لقام الإستقالة من منصبه بعد هجوم السابع من أكتوبر، ولا يمكننا القضاء على حماس فهي إيديولوجية موجودة في أحلام الناس في قلوبهم وفي عقولهم.
وخلاصة الكلام ، وفي حال سقوط حركة حماس ( وأتمنى أن لا يحدث هذا أبدا ) ، فإن لديها القدرة لإعادة البناء والتمركز من جديد حتى وإن استغرق الأمر وقتا طويلا لكنه سيحدث رغم انف الكيان الصهيوني والمتحالفين معه من الحكام العرب المتصهينين ، الملوك والأمراء والرؤساء منهم ..
مع تحيات موظف شرطة/ أكاديـــــر/