هل سيؤدي لقاء وزيري الدفاع السوري والتركي في موسكو الى “تعجيل” القمة بين الأسد واردوغان؟ ولماذا قد تشكل زيارة الرئيس الإيراني المتوقعة لدمشق اختراقا رئيسيا في هذا الملف؟ وما هي خيارات الرئيس السوري الأخرى اذا تمسك برفض القمة؟
عبد الباري عطوان
يبدو ان الملف السوري سيتقدم على نظيره الاوكراني، ولو مؤقتا في الأيام القليلة المقبلة، وخاصة الجانب المتعلق بترتيب لقاء قمة في أسرع وقت ممكن بين الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره التركي رجب طيب اردوغان للتوصل الى اتفاق مصالحة أمني وعسكري وسياسي، يحقق معظم المطالب السورية في إطار ضمانات روسية إيرانية.
اعلان وكالة الاعلام الروسية المفاجئ اليوم الأربعاء نقلا عن مصدر مهم في وزارة الدفاع بأن لقاء ثلاثيا يضم وزراء دفاع سورية وتركيا وروسيا اجروا “محادثات في موسكو” وتم بحث سبل حل الازمة السورية، ومشكلة اللاجئين والجهود المشتركة لمحاربة الجماعات المتطرفة في سورية، وأضافت الوكالة “لاحظ رؤساء وزارة الدفاع في البلدان الثلاث الطبيعية البناءة للحوار ونتائج الاجتماع في هذا الشكل وضرورة استمراره”.
هذا اللقاء بين وزيري الدفاع السوري والتركي تحت مظلة روسية يشكل خطوة تمهيدية متقدمة لترتيب لقاء المصالحة المنتظر بين الرئيسين السوري والتركي، لأنه تناول القضايا الأهم التي تقف حجر عثرة في حدوثه، وأهمها مسألة الهجوم البري التركي الذي تعارضه روسيا لإقامة المنطقة الآمنة على الحدود التركية السورية لتوطين اللاجئين، ومستقبل الجماعات المسلحة في منطقة ادلب، وعودة اللاجئين.
نتائج هذا الاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع، وحصول القيادة السورية على الضمانات المطلوبة بشأن تنفيذ ما يمكن الاتفاق عليه، واطمئنانها الكلي على التزام الرئيس اردوغان شخصيا بالتنفيذ، كلها عوامل مهمة لإعادة العلاقات بين الدولتين الجارين وتحقيق مطالبهما الأمنية والسياسية اللازمة.
الرئيس اردوغان الذي يواجه ظروفا انتخابية صعبة هذه الأيام بارع في المناورة، فقد كان يريد إبقاء المسلحين في ادلب بطريقة او بأخرى، وكسب الإسلام السياسي داخل تركيا وخارجها، وإعادة اللاجئين السوريين في تركيا الى بلادهم (3.6 مليون) في الوقت نفسه بعد ان استغلت المعارضة التركية هذه الورقة في حملاتها الانتخابية، وتعاظم الغضب الشعبي من وجودهم في ظل ازمة اقتصادية متفاقمة في البلاد، وتأمين الحدود التركية من الهجمات الإرهابية مقابل وعود بتنفيذها بعد الانتخابات القادمة.
الانتخابات التركية، التشريعية والرئاسية باتت ورقة “دسمة” في يد الرئيس السوري بشار الأسد، حيث بات الجميع حلفاء واعداء يمارس ضغوطا، مصحوبة بإغراءات، لكسبه الى جانبهم، فالمعارضة التركية المدعومة أمريكيا تريده الى جانبها، والوقوف في خندقها في الانتخابات القادمة لإسقاط حزب العدالة والتنمية ورئيسه اردوغان وبتوجيه أمريكا، وتعد بإبعاد جميع اللاجئين من تركيا، واحترام السيادة السورية ووحدة أراضيها بالانسحاب الكامل، ودفع تعويضات وإعادة الاعمار، اما الحليفان الرئيسان لسورية أي الروسي والإيراني يريدون بقاء اردوغان في السلطة، ودعمه للفوز في الانتخابات بكل الطرق والوسائل لإيمانهما المطلق بوقوف المعارضة التركية في الخندق الأمريكي وبقوة في حال فوزها.
الرئيس اردوغان يراهن على الدعم الإيراني الروسي لإقناع الرئيس الأسد بلقائه في أقرب وقت ممكن وإبعاده عن المعارضة، والتوصل الى اتفاق معه يعيد مليون لاجئ سوري على الأقل الى مدنهم وقراهم، قبل الانتخابات كدفعة أولى، والتحالف معه لسحق قوات سورية الديمقراطية الكردية، التي يراها ذراعا عسكريا لحزب العمال الكردستاني الانفصالي، وعدم الدخول في أي تحالف معها.
حتى هذه اللحظة يقاوم الرئيس الأسد جميع الضغوط الروسية والإيرانية للقاء الرئيس اردوغان لأنه لا يثق بالأخير، ويصعب عليه نسيان طعناته له ولسورية في الظهر بخنجر مسموم، وكل أحاديثه الناعمة (أي اردوغان) حول طي صفحة الماضي، والاعتراف بأنه لا توجد عدوات دائمة، لا يمكن الوثوق بها، واكد ذلك السيد اوهان ميري اوغلو عضو اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية الحاكم عندما قال قبل أسبوعين ان الرئيس الأسد رفض عرضا روسيا بلقاء اردوغان.
المعضلة التي تواجه الوسيط الروسي هذه الأيام هي ان الرئيس اردوغان يعارض تنفيذ الشروط السورية وأبرزها الانسحاب الكلي من الأراضي السورية وعودة ادلب للسيادة السورية مقابل وضع برنامج لعودة اللاجئين السوريين وحماية الحدود التركية، ويطرح الرئيس اردوغان تأجيل هذه الشروط والمطالب الى ما بعد الانتخابات التركية في حزيران (يونيو) المقبل حتى لا يظهر بمظهر الضعيف المتنازل والخاضع لهذه الشروط، ويخسر الانتخابات القادمة بالتالي.
الخيار الوحيد الذي ينقذ اردوغان، وعدم انتهائه ونجله وصهره في السجن بتهم الفساد في حالة خسارته للانتخابات، هو التفاهم مع الرئيس الأسد الذي قاد اردوغان تحالفا قويا مدعوما بمئات المليارات من الدولارات لإسقاط نظام حكمه، ولكن هذا الخيار لن يتحقق الا بشروط سورية التي بات الجميع حتى في أمريكا يطلبون رضاها، وانحيازها الى جانبهم بعد الفشل في حرب إسقاط النظام سواء بالحصار او التدخل العسكري.
السيد اكرم امام اوغلو رئيس بلدية اسطنبول الذي هزم مرشح اردوغان بن علي يلدرم في الانتخابات البلدية، وتشير استطلاعات الرأي انه سيهزم اردوغان شخصيا في الانتخابات الرئاسية القادمة، التقى السفيرين الأمريكي والبريطاني، وأظهر رغبته في علاقات استراتيجية مع الناتو والزعامة الامريكية، ولا نعتقد ان محاولة تجريمه، وتوجيه تهم قضائية له بإهانة السلطة القضائية الانتخابية، ستؤدي الى ادانته وانتهاء طموحاته السياسية ومنعه من خوض الانتخابات.
السؤال الذي يطرح نفسه هذه الأيام هو: هل ستنجح الضغوط الروسية والإيرانية في اقناع الرئيس الأسد بتقديم طوق النجاة للرئيس اردوغان، ام انه سيقاومها، ويتجاوب مع اغراءات أمريكية مدعومة بلوبي عربي خليجي، وسيف عقوبات جديدة (قانون الكبتيكون)، واغراءات بالمصالحة مع “قسد” واستعادة السيادة السورية على آبار النفط والغاز والمناطق الخصبة في شرق الفرات، ومساعدات مالية ضخمة.
انعقاد مؤتمر “بغداد 2” في العاصمة الأردنية عمان قبل عشرة أيام الذي حضره الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي، وامير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، ووزيرا خارجية ايران والسعودية، هذا المؤتمر لم يكن يهدف الى تأمين العراق وتعزيز استقراره، وانما محاولة أمريكية أوروبية لفتح الحوار مع ايران، واعادتها الى مفاوضات احياء الاتفاق النووي، بعد تسليم أمريكا بفشلها بإسقاط النظام الإيراني عبر الاحتجاجات الداخلية.
الزيارة المفترض ان يقوم بها الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي الى دمشق في أي لحظة ستكون حاسمة، فاما سينجح في اقناع الرئيس الأسد بالتجاوب مع المطالب الروسية الإيرانية، والضمانات المقدمة من البلدين، ولقاء الرئيس اردوغان في موسكو في أوائل العام الجديد، والتوصل معه الى اتفاق يكرس بقاءه في السلطة ونجاحه في الانتخابات المقبلة، او يستمر في موقفه الرافض لهذا اللقاء لعدم ثقته بالرئيس التركي الذي يملك تاريخا ضخما في تقض الالتزام بالعهود والاتفاقات؟
لا نملك إجابة حاسمة عن هذا السؤال، ولكننا لا نعتقد ان الرئيس السوري سيضحي بسهولة بخسارة الحليفين الرئيسيين لبلاده وحكمه (روسيا وايران)، او هكذا يقول المنطق، اذا كان الثمن المقابل مغريا يحقق جميع المطالب السورية مع ادخال بعض التعديلات على أرضية قاعدة “لا يموت الديب ولا تفنى الغنم”، ولكن من المؤكد ان المصالحة السورية التركية اذا ما تمت لن تكون “مصالحة مسح اللحى”، فالدهاء الشامي أعمق من ذلك بكثير.. والأيام بيننا.