طقوس جنائزية يمر بها بلدي الحبيب، لا تكاد تفرق فيها بين الضحية والجلاد وبين الماكر والممكور ضده.
علمانيون “شواذ” شذوذا تنظيريا وممارسة عددهم يكاد يكون منعدما رغم ما يلاقونه من نفخ وتكبير إصطناعيين لمواجهة الخصوم الإفتراضيين، وعلماء دين رسميون تلقوا مناهج معلمنة على مقاس فقهاء كنائس أوروبا، إجتمعوا تحت مظلة واحدة جامعة، ساعين بكل ما أوتوا من حيل لتمرير قوانين مناقضة للفطرة البشرية ولبنود الدين الإسلامي الحنيف، في غفلة تامة من شعب يتعرض لتخدير متجدد، وفي غفلة تامة من سلطة تستمد شرعيتها الدستورية في الحكم من الكتاب والسنة. إجتمعوا على مائدة مناقشة مشاريع قوانين حساسة تستوجب إستفتاءا شعبيا.
وفي ساحة الفعل الحق يوجد فاعلون أقوياء جدا رغم ما يتعرضون له من تضييق وإبعاد، يراقبون كل شيء عن كثب ويدرسون كل ما يحدث في الساحة السياسية دراسة معمقة، لإنتاج ليس ردود أفعال بل أفعال قوية تكون غير مضرة بأي طرف ولو كان خصما ، وتتجنب ما أمكن الخسائر المجربة في بلدان عربية وإسلامية كثيرة.
خاصة وأننا في ظرفية لم تجنى بعد على الوجه الأكمل ثمار التطبيع مع الكيان الإسرائيلي على المستوى الداخلي، بمعنى أن الدولة لا تزال محتفظة بكل الضمانات الخارجية التي تسمح لها بممارسة العنف المشروع ضد المعارضين تحت طائلة تهم محددة، دون أن يحرك أي طرف من المنتظم الدولي ساكنا في حقها.
إن الشعب المغربي يحتضن قوى هوياتية منهاجية وإصلاحية أصيلة، مدين لها بالإحتضان والحماية، وهي مدينة له بإعمال أسلوب تدافع عقلاني ومنطقي وواقعي، يراعي المصلحة العليا للشعب دولة ومجتمعا، ولو بالتضحية مؤقتا بمزيد من الصبر على الظلم المرتكب في حقها وفي حق الشعب، ومزيد من ضبط النفس اتجاه الإنحرافات التي تشهدها حقول متعددة ذات البعد الديني الأخلاقي بالأساس، على يد سياسيين موالين للقوى الإستعمارية والليبرالية.
ختاما، إن المغرب قوي بمكوناته الهوياتية، وهذه المكونات تعي وعيا دقيقا بأن ما آلت إليه الساحة من ضعف وهوان وتشرذم قد شمل مكونات مختلفة بما فيها المؤسسة المالكة للسلطة، تعي هذه المكونات الهوياتية أيضا وعن إقتناع بأنها لا تزال محتفظة بكل عوامل القوة وبأن غيرها لا قوة له سوى بالإستقواء بالثروة الوطنية وبالخارج.
نحن على مشارف مرحلة مفصلية سيستنجد فيها صاحب السلطة بمن كانوا ولا يزالون ضحايا ظلمه ونيرانه، بعدما إحترق الأخضر واليابس، وفي المحصلة لن يرجح المستنجد بهم سوى مصلحة الشعب والوطن وضمنهما الطبقة الحاكمة، لتفويت فرص الهيمنة على القوى ذات الإستراتيجية الإستعمارية.
بإختصار، إن المغرب يحتاج لكل أبنائه، مهما تباينت أفكارهم وتوجهاتهم، في ظل توازنات تعطي لكل ذي حق حقه ولكل ذي حجم حجمه، لتستمر رسالة الدولة المغربية، المبنية أسسها على إختلاف وتعدد الثقافات والمرجعيات الموحدة تحت راية دين الفطرة الحق.
// عبدالإله الوزاني التهامي //