يعيش المغرب منذ أسبوعين على وقع حملة إعتقالات عشوائية للمحتجين السلميين في الحسيمة، في منطقة الريف شمال البلاد، طالت أزيد من 180 من قيادات الحراك بتهمة المس بأمن الدولة وغيرها من التهم التي قد تؤدي الى عقوبات بالسجن المؤبد.
وهو ما يعتبر سابقة في تاريخ المغرب منذ تفجيرات 2003 الإرهابية، ولو أن المحتجين هذه المرة سلميون رفعوا مطالب إقتصادية وإجتماعية بسيطة: الحق في الشغل وبناء مستشفى وجامعة.
مطالب تعكس الوضعية السوسيواقتصادية الكارثية التي يكمن حلها في حقل السياسات العمومية وليس في المقاربة الأمنية والإعتقالات بالجملة التي لم تزد الوضع إلا تعقيداً.
وجب التذكير أن الشرارة التي أطلقت هذه الإحتجاجات هي قتل بائع للسمك، شاب في الثلاثينات من عمره تم فرمه في شاحنة للنفايات في الحسيمة.
طالب المحتجون بإحقاق العدالة ومعاقبة الجناة، وهو ما ردت عليه السلطات بإعلان فتح تحقيق. كان هذا كافيا لإنهاء المشكل لو كنا في بلد لم تفتقد فيه الثقة بين النظام والمواطن، إلا أن إنعدام الثقة بين النظام وساكنة الريف دفعهم الى رفض كل الوعود بفتح تحقيقات.
سرعان ما إتخذت الإحتجاجات طابعا إجتماعيا في هذا البلد الذي يحتل المرتبة 123 في تصنيفات الأمم المتحدة للتنمية البشرية، وتجاوزت نسبة البطالة 15.7 % في الوسط الحضري، و40% في أوساط الشباب بين 15 و24 سنة في المدن.
فطالب المحتجون بخلق فرص للشغل، وبناء جامعة في هذا الإقليم البالغ عدد سكانه 400 ألف نسمة، وغالبا ما يجبر فيه الطلبة على التوقف عن الدراسة في غياب الإمكانيات المادية الضرورية لإستكمال دراستهم في المدن الأخرى. كما طالبوا ببناء مستشفى متخصص في أمراض السرطان المتفشية بكثرة في تلك المنطقة بسبب الأسلحة الكيماوية التي إستعملها الجيش الاسباني لقمع المقاومة التي قادها عبد الكريم الخطابي، أيقونة الذاكرة الجماعية لهذه الساكنة.
جدير بالذكر أن تهميش المنطقة ليس وليد أيامنا هذه، بل يعود الى فجر الإستقلال عندما أخضعتها الملكية الى نظام عسكري عقب القمع العسكري العنيف الذي قاده الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك لسحق إنتفاضة الريف 1957 ــ 1959.
وعندما إعتلى الملك محمد السادس العرش سنة 1999، وضع حدا لتهميش المنطقة ولكن التوتر ظل على حاله، ولعل ما زاد من إستياء الساكنة الريفية اليوم هي المشاريع التي دشنها الملك ولم تنجز.
يبدو أن النظام المغربي فضل أن يتعاطى مع إحتجاجات الريف دون أن يأخذ بعين الإعتبار هذه الوقائع التاريخية، وهو ما دفعه الى إرتكاب ثلاثة أخطاء رئيسية زادت من تعقيد الوضعية :
الخطأ الاول : يكمن في التماطل، لقد لعب النظام على عامل الزمن إلا أن المحتجين وأغلبهم من الشباب ظلوا مستميتين وصاروا أكثر تنظيما، بل أكثر من ذلك، إنضمت إليهم النساء والأطفال والشيوخ وظهر للحراك قائد ورمز، هو ناصر الزفزافي، الذي يوجد الآن رهن الإعتقال بتهمة “المس بامن الدولة” وتلقي تمويلات أجنبية لأن أحد اقاربة بعث له من الخارج حوالة بقيمة 270 يورو.
الخطإ الثاني : يكمن في تفضيل المقاربة الأمنية على كل الخيارات الأخرى. حيث سعى النظام إلى التشهير بالمحتجين وشيطنتهم بهدف عزلهم، فوصفهم وزير الداخلية بالإنفصاليين، وإتهمهم شيوخ الدين المقربون من النظام بالتحريض على الفتنة.
هذه الإستراتيجية إصطدمت بالهوية الجهوية التي لا تزال موسومة بصدمات التاريخ والعلاقة المتشنجة التي ظلت تربطها السلطة المركزية، فزادت من حدة الحراك ووفرت له حاضنة إجتماعية قوية، وصار شعار المحتجين هو “الموت ولا المذلة” كما يقولون في وقفاتهم.
الخطأ الثالث : هو القمع العنيف الذي تصرفت به قوات الأمن خلال الأسبوعين الأخيرين. هناك أشرطة فيديو على الفيسبوك وعلى اليوتوب عديدة تظهر عناصر الشرطة وهي ترشق نوافذ البيوت بالحجارة في جوف الليل، وتشتم الساكنة بألفاظ عنصرية جارحة، ورغم أن هذه الحملة العنيفة أسفرت عن إعتقال ازيد من 180 محتجاً، بمبررات غير مقنعة، فقد ظل المحتجون يخرجون الى الشارع للإحتجاج. وتحولت هذه العملية التي كان الهدف منها “تهدئة الشارع” إلى إستفزاز حقيقي يغذيه الشعور بالإهانة التي لا يزال حاضرا.
هذه الإختلالات التي عرفها تدبير الحراك، لم تمنع المحتجين من التشبث بالخطوة (أ) من الإحتجاج السلمي، إلى حدود اللحظة على الأقل، ذلك أنهم لم يحتلوا أماكن عمومية ولم ينفذوا أي إعتصام مدني. إلا أن الإصرار على إستفزازهم قد يدفعهم الى خطوات أخرى قد تنزلق بالبلاد إلى كارثة، ليس فقط على المغرب ولكن على المنطقة المغاربية ككل، سيما أن موجة الإحتجاجات وصلت الى الرباط ومدن أخرى. أليس من الأفضل أن نحتاط قبل فوات الأوان؟
* مترجم من الإنجليزية من موقع مديابارت *MEDIAPART*