وزير العدل المغربي يدافع عن الحريات الفردية وخبير يرد: تناقض وارتباك

Advertisement

الرباط : فتح وزير العدل المغربي الباب على مصراعيه حين تبنى الدفاع عن الحريات الفردية، ما أثار نقاشاً واسعاً بين طرفي المجتمع المغربي، حداثيين ومحافظين.
عبد اللطيف وهبي الذي يرأس حزب «الأصالة والمعاصرة»، يرى أنه من الخطأ إدراج الحريات الفردية ضمن الكماليات التِي يمكن تأجيلها إلى ما بعد كسب معارك الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان والتنمية والسلام، أو يمكن الاستغناء عنها، معتبراً أن هذا التوجه خطأ يجب تصويبه بالنظر إلى أن الحريات الفرديّة هي الجبهة الأساسية لمعارك التقدم، مبرزاً أن «الحريات الفردية مصلحة للوطن ومنفعة للجميع».
وأكد في محاضرة ألقاها منذ يومين بدعوة من مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة في المكتبة الوطنية في لقاء فكري حول «الحريات الفردية بين القيم الكونية والثوابت الوطنية»، أن الحريات الفردية مصلحة للوطن ومنفعة للجميع. وفي هذا الصدد علل وزير العدل توجهه من منطلق الرؤية الديمقراطِية»، بقوله: «صَحيح أن الدِّيمُقراطِية صِراع سِلْمِي على السلطَة بَيْن تَكتُّلات كُبْرى، إِلا أن المُواطِن هُو اللَّبِنَة الأَسَاسِيَة في البناءِ الديمقراطي. حيْث لا وُجُود لإِرَادة عَامَّة حُرَّة دُون إِرادات خاصَّة حُرَّة وَمُسْتَقِلَّة كذلك. وهُو ما يُحِيلُ إِليْه سِتار مَعزِل الاقْتِرَاع، حيْثُ يَتِم عَزْل الْفَرْد رَمْزِياً عنْ سَلطة الجماعَة التِي ينْتَمِي إِليهَا».
واسترسل وهبي توجهه من منطلق الحَداثَةِ بالقول: «صَحيح أنَّ الحَداثَة مشْرُوع الدَّوْلَة، مَشْرُوع المُجْتمَع، وَمَشْروع الْحَضارَة الإنْسانِيَّة فيِ عالَم الْيَوْم»؛ مضيفاً: «إلّا أن مَبْدَأها الأَسَاسي أَن يَستعْمِل كُلُّ شخْص عَقْلَه بِنَفْسِه، بِدُون وِصايَة أوْ حِجْر أوْ تَسلُّط. عِلْماً بِأَن التَّعَاقُد الاجتِماعِي الذِي هُو أَساس الدَّوْلَة وَمُؤسسات الدَّوْلَة الْحَدِيثَة لا يَتحقَّق إِلَّا بَيْن ذَوَات تَحْتَرِم استِقْلالِيَة بَعْضها عن الْبعْض».
وفي محاضرته التي حصلت «الشروق نيوز 24» على نصها الكامل، طرح الوزير وهبي عاملين أساسين في الإطار نفسه الأول مترابط برؤية من منطلق التَّنْمِيَة البشرِيَّة «يقوم أَساس التَّنمية على إِزاحة كُلّ الْعَوائِق مِن أَمام اتجاهات النُّمو الْعقْلي وَالْوِجدانِي، تِلْك الاتِّجاهات التي تَخْتلف بالضَّرورَة مِن فَرْد لآخَر»، وهُوَ ما تُؤَكِّده كثِير مِن آيات الذِّكْر الحكِيم مِنْ قَبِيلِ الآيةِ الكَريمَةِ، [ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شَاكِلَتِهِ ] الإسراء 84، [ وَكذلِكَ الآية، لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ] البقرة 148؛ كمَا يُؤكِّدُه الْحَديث النَّبَوِي الشَّريف، «اعْمَلُوا فَكُل مُيَسَّر لِمَا خُلِق لَه».
وتابع وهبي تعليلاته بالإشارة إلى أن الإنسان خلق لِكي يَنْمُو مِثْلما تَنْمُو سائِر الْكائِنَات الْحَيَة، غَيْر أن الإِنسان يَنْمُو بِأُسلُوب يخْتَلِف مِنْ شخْص لآخَر؛ لِذلِك تَفْشَل كُلُّ مُحاوَلاَت تَنْمِيط نُمُو الإِنسان.
ولِذلِكَ أَيْضاً؛ يقول وهبي، «إن مُؤَسَّسَات التَّنْشِئَة الاجْتِماعِيَّة التِي تُلْغِي الْحُرِّيَة الْفردِيَّة مِن حِساباتِها عَادَة ما تَشُل الذَّكاء، وتُنْتِج أشخاصاً يَجْترُّون ما يَسْمعُون، بِدون أي قُدْرَة على الإِبْداع، بَلْ يَتَوَاكلُون فِي كُلِ مُتَطلَّبات الْحياة، وبِالتَّالي يُمثِّلون خَطراً على التَّنْمِيَة».
وختم حديثه بالقول: «تِلْك هِي الْحَقيقة المُرَّة التِي جَعلَت تاريخَنا الإسْلامِي لا يَخْلُو مِنْ فِتَن كانت تَبْدُو أَحْياناً «كَقِطَع اللَّيْل المُظلِم»، وِفْقَ تَنبُّؤَات أحَد الأحاديث النَّبَوِيَّة.
تعليقاً على نص مداخلة وزير العدل، قال بلال التليدي الكاتب والمحلل السياسي المغربي، إنه من اللازم أن يكون النقاش ذا جدوى، وحين الحديث عن الحريات الفردية فمن اللازم تحديد نوعها، وهل هي حرية المعتقد أم العلاقات الرضائية أو جواز الإفطار في رمضان جهاراً، لافتاً إلى أن «الوزير في كلمته لم يذكر هذه العناصر بطريقة مباشرة وفضّل أن ينهج نهج التعميم، معتمداً على الأسلوب العام بعيداً عن التفاصيل».
«وزير العدل ضمن كلمته، أكد على ضرورة التمييز بين الدين والفهم التاريخي، بهذا المنطق كان على الوزير عرض الفهم التقدمي لأطروحته مقابل النص»، يقول التليدي لـ«الشروق نيوز 24»، لافتاً إلى أن الوزير حرص على إقحام عدد هائل من النصوص الدينية وهو في الغالب يستعملها في غير محلها، ما يدل على ضعفه في مجال الثقافة الشرعية وبشكل خاص في موارد النصوص وفيما استعملت وكيف فُهمت».
ولفت المحلل السياسي إلى أن الوزير «يتحدث في بعض الأصول الشرعية ويسندها إلى منطق شعبي، حين يتحدث عن الإجماع، وهو أصل من الأصول الشرعية المعتبرة، يتحدث عنه كما هو معروف عند الفقهاء لكنه يتحدث كما هو معروف في التدين الشعبي الفطري، وهذا أمر لا يليق بوزير عدل يفترض أن يأتي بمدونة أو بمنظومة جنائية جديدة لا تتعارض مع مقاصد الشريعة»، وفق تعبيره.
وقال المتحدث: «يعاني الوزير تناقضاً وارتباكاً، ففي الوقت الذي يحاول أن يؤكد أنه لا يمكن أن تتم أي تغييرات إلا في إطار الشرعية وعدم مخالفة نصوص الشرع القطعية بشكل خاص، فإنه يصارع إلى الحسم في بعض القضايا ولو بشكل عام، فإما أن يطلب تحكيم الشرعية ورأي العلماء أو أن يعتمد الفهم التقدمي».
مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي في وجدة ومدير معهد البعث الإسلامي للعلوم الشرعية، اعتبر ضمن ندوة سابقة تحت عنوان «الحريات الفردية في المغرب»، أن مقتضى الإيمان هو طاعة الله تعالى والالتزام بأوامره ولم يعرف المسلمون إسلاماً غير هذا، ذلك أن «القرآن يمنع الزنا. كما أن الإفطار في رمضان معصية، ومن أفطر عمداً عليه قضاء الكفارة».
وأورد العالم المغربي ضمن حديثه قائلاً: «إذا خاطبتم مواطناً مسلماً تؤمنون بحُريته وكرامته واستقلال فكره، فحين تُطلب منه أمور من هذا القبيل يتم إحراجه، ووضعه في حالة تناقض، ولا يمكن الجمع بين النقيضين الإيمان بالله والزنا مع راحة الضمير». وخلص إلى أن «من يدعون إلى هذا النوع من الحريات يحرجون المجتمع ويوقعون الناس في التناقض».
إلى ذلك، سبق لحركة التوحيد والإصلاح، وهي حركة دعوية إسلامية، أن أكدت أهمية القانون الجنائي لحماية المجتمع والأفراد ومحاربة الجريمة ومعالجة الاختلالات الاجتماعية والتربوية، معتبرة أن هذه المقاربة القانونية تظل قاصرة في غياب اعتماد مقاربة وقائية مندمجة تنطلق من التربية على الأخلاق الفاضلة ونشر قيم العفة والإعلاء من دور مؤسسة الأسرة لمواجهة دعوات الحرية الجنسية، التي لم تُخلِّف سوى الآثار الوخيمة على النظام القيمي والتماسك المجتمعي، وفي غياب تفعيل الأدوار التربوية لباقي مؤسسات التنشئة على القيم، مثل المدرسة والمسجد والإعلام.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.