وهيبة خرشش.. معركة شرطية مغربية ضد التحرش الجنسي المقترف من طرف الوالي عزيز بومهدي رئيس الأمن الإقليمي بالجديدة !!
مترجم بتصرف عن مجلة ” Newlines ” الأمريكية ..
في هذا المقال لمجلة ” Newlines ” تحكي وهيبة خرشش عن مسار معركتها كشرطية مغربية تعرضت للتحرش من طرف رئيسها في العمل رئيس الأمن الإقليمي عزيز بومهدي ، دون أن تنصفها العدالة.
في عام 2003، أصبحت الشابة المغربية الطموحة، وهيبة خرشش، ضابطة شرطة في الجديدة، حيث إرتقت في الرتب بشكل مطرد لقيادة القسم المسؤول عن العنف ضد المرأة في عام 2009.
في يوم من الأيام، سوف تتعامل خرشش مع قضايا النساء اللائي يتعرضن للعنف المنزلي أو عاملات الجنس اللائي نجين من الإعتداء الجسدي. غير أنه في عام 2014، بدأت تتعرض للمطاردة في مكان العمل وخارج مكان العمل من طرف رئيس الأمن الإقليمي عزيز بومهدي، رئيس خرشش الجديد، بل وتصيعد سلوكه تجاهها.
وبحلول عام 2016، لم يكن أمام خرشش خيار آخر سوى تقديم شكوى تحرش جنسي ضد بومهدي. وبدلاً من توبيخه، تمت ترقية بومهدي بفضل صهره المدير العام للأمن الوطني، عبد اللطيف الحموشي، وأجبرت في المقابل، وهيبة خرشش على الإنتقال إلى منطقة بن جرير، قبل أن يتم تجميد راتبها في نهاية المطاف ومنعها من السفر، وهو واقع شائع جدًا بالبلاد، حيث تتم معاقبة الضحايا وليس المعتدون.
على مدى أشهر، واجهت خرشش وإبنتها وزوجها (وكلاهما مواطنان أمريكيان) مراقبة الدولة والمضايقات والتهديدات، مما أجبر خرشش في النهاية على الفرار من المغرب عن طريق طلب اللجوء لإسبانيا. عندما حطت رحلتها في سان فرانسيسكو في غشت 2020، تنفست وهيبة خرشش الصعداء لأول مرة بعد حوالي ست سنوات.
تروي خرشش التي تجاوزت أحيانًا الحدود المهنية لإيواء الضحايا والناجين مؤقتًا : “لقد فعلت كل ما بوسعي لمساعدة هؤلاء النساء”.
في أوائل شتنبر 2020، جلسنا في غرفة المعيشة في شقتها في كاليفورنيا، حيث تعيش الآن مع ابنتها وزوجها، ويحيط بنا عدد كبير من الوثائق القانونية والطبية المبعثرة على الأرض والمكدسة على الطاولة. حفظها الدقيق للسجلات يوحي بأنك أمام شخص لديه خبرة طويلة في التعامل مع بيروقراطية الإدارة المغربية. تقدم محنة خرشش لمحة بسيطة عن النضال الأوسع لحقوق المرأة في المغرب، بعدما أجبر أغلب النساء المغربيات من ضابطات وصحفيات على الخروج من بلادهم.
“تلقيت بإستمرار مراجعات إيجابية في تقارير أدائي السنوية”، تقول خرشش وهي تسترجع وثيقة مهترئة قليلاً تُظهر تقرير أدائها الأول من عام 2003، ثم أخرى من السنوات اللاحقة حتى آخر مرة كمسؤولة في عام 2019.
بعد أكثر من عقد من إنضمام خرشش إلى الشرطة، في أبريل 2014، أدى تغيير أمني إلى رئيس جديد لخرشش ولزملائها: بومهدي كرئيس للأمن الإقليمي في مدينة الجديدة، والذي شغل سابقا العديد من المناصب الأمنية رفيعة المستوى تحت إسم وزارة الداخلية.
قبل وصوله إلى الجديدة، تفاخر بومهدي بسيرته المهنية اللامعة بعد تخرجه من المعهد الملكي للشرطة في القنيطرة عام 1993، بعد أن خدم في مناصب أمنية في الرباط، ثم فاس لاحقًا. وبقرابته مع رئيسه الحموشي من خلال الزواج.
عند وصول بومهدي إلى الجديدة، بدأت تجربة خرشش اليومية تتغير.
تتذكر خرشش: “لقد طبق قاعدة تقضي بعدم جواز إرتداء النساء للجلابة (الزي المغربي التقليدي) أيام الجمعة، لكنه لم يرفض عندما كنت أرتديه”.
ونظرا لأن زوجها يعيش في كاليفورنيا، فقد كانت تستخدم إجازتها كثيرا للمجيء إلى الولايات المتحدة، حيث تقيم حاليًا بشكل دائم. تتذكر قائلة : “كان يشير إلي بإسم الضابطة الأمريكية”. كما كانت تعلم جيدا بأن زوجها يعيش على بعد آلاف الأميال، ويشرح بالتفصيل سلوك بومهدي المتصاعد بإطراد.
قالت وهيبة تأكيدا لإفادة موقعة وموثقة لأحد حراس الحي تؤكد ملاحظاتها: “لقد لاحظت أنه سيوقف سيارته بالقرب من منزلي، ويراقب كل تحركاتي”.
بعد ما يقرب من عامين مما وصفته خرشش بالتحرش الجنسي المتزايد، تقدمت بشكوى في مكان العمل أصبحت قضية قانونية كاملة. تشرح قائلة : “كان المسار القانوني حقًا خياري الأخير”.. كنت أعلم أنها ستكون معركة شاقة بسبب مكانته رفيعة المستوى وبسبب الإفتقار إلى قضاء مستقل حقًا”.
وعلى الرغم من أن خرشش كانت هادئة وجميلة ومتماسكة، فقد بدأت يداها ترتجفان قليلاً. توقفت لبرهة وتنهدت بعمق قبل متابعة روايتها. مع نظرة ثاقبة لشخص على دراية بالأعمال الداخلية للإجراءات القانونية والأمنية في المغرب، عينت خرشش والمحامي والنائب السابق في البرلمان ووزير حقوق الإنسان محمد زيان كمحاميها. في ذلك الوقت، كان زيان أحد المحامين العديدين الذين يدافعون عن قادة حراك الريف، الذين يقضي بعضهم أحكامًا بالسجن تصل إلى 20 عامًا.
“في ذروة قضيتي، كان السيد زيان يدافع أيضا عن توفيق بوعشرين مؤسس “أخبار اليوم” وهي صحيفة مستقلة معروفة بإنتقادها لسياسة الدولة، كما تشير خرشش. كانت على دراية بمكانة زيان المرموقة كواحدة من حفنة من المحامين المغاربة المعروفين بتوليهم الطعن في القضايا القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان.
أصبح قرار خرشش بتعيين زيان، وهو خصم بارز لجهاز الأمن، نقطة محورية في قضيتها. فمن ناحية، أشار إلى أنه ملتزم ومصمم على السعي لتحقيق العدالة؛ ومن ناحية أخرى، فقد أثار غضب الدولة.
إبتداءً من أكتوبر 2018، بدأ زوجها في تلقي مكالمات هاتفية من رقم هاتف مغربي غير مألوف. على الجانب الآخر، كان صوت امرأة كشفت، في مكالمات منفصلة، أن لديها معرفة حميمة بحياته الشخصية وطلبت منه صراحة إقناع زوجته بالتخلي عن قضيتها ومحاميها. كما تلقى في وقت لاحق، مكالمة من رقم أمريكي برمز منطقة نيويورك يشير إلى أن إبنته معرضة لخطر الإختطاف في المغرب.
بينما قضت خرشش عطلة رأس السنة الجديدة في كاليفورنيا مع زوجها وإبنتها في يناير 2019، تلقى زوجها سلسلة من الرسائل النصية تحتوي على صور لخرشش وإبنتها تم التقاطها بجهاز مخفي في مكان خاص؛ “لم يكن وراء هذه الإتصالات شخص واحد فقط.. لقد كانت مؤسسة حكومية كاملة”، تقول خرشش. مؤسسة كرست سنوات من حياتها للخدمة والتي تحظر على ضباطها تكوين النقابات أو التصويت أو الترشح للمناصب، وهي أيضًا مؤسسة تتمتع قيادتها بمركزية عالية وموحدة تحت قيادة شخص واحد هو الحموشي، صهر بومهدي.
منذ عام 2005، كان الحموشي يشغل منصبا في جهاز الإستخبارات، وبحلول عام 2015 عينه الملك محمد السادس على رأس المديرية العامة للأمن الوطني.
وقد واجه مزاعم بالتعذيب أثارت خلافا دبلوماسيًا بين المغرب وفرنسا في 2014-2015.
بينما كان زوج خرشش وإبنتها يواجهان المضايقات والمراقبة بسبب شكواها بالتحرش الجنسي ضد بومهدي، كانت قد بدأت فصول القضية البارزة ضد بوعشرين تتكشف. كان بوعشرين كاتب عمود وناشر صحيفة “أخبار اليوم” وهي واحدة من المطبوعات المستقلة المتبقية في المغرب والمعروفة بتغطيتها ومقالات الرأي التي تنتقدها الدول. بعد إعتقاله في 23 فبراير 2018، حُكم على بوعشرين في 9 نونبر 2018 بالسجن 12 عامًا بتهم تشمل الإعتداء الجنسي والإغتصاب والإتجار بالبشر، وقد قررت محكمة الإستئناف بالدار البيضاء تمديد عقوبة سجن بوعشرين إلى 15 عاما في أكتوبر 2019.
تقول خرشش، التي سحبت العديد من الوثائق الطبية التي توضح تفاصيل دخولها المستشفى في فبراير 2019 بشأن ما وصفه الأطباء بـ”الهستيريا”: “بينما كانت الدولة تبدو مهتمة بضحايا الإعتداء الجنسي، كنت قلقة على حياتي وحياة عائلتي”.
في مكان عملها، تحملت خرشش ضغوطًا إدارية عزلتها مهنيًا وإجتماعيًا عن زملائها، وبلغت ذروتها في نقلها إلى منطقة أخرى قبل منعها من السفر وتجميد راتبها. وعلى الرغم من الصعوبات التي لا يمكن التغلب عليها على ما يبدو، فقد تمكنت خرشش وإبنتها من الفرار من المغرب، وحصلت على حق اللجوء في إسبانيا قبل الوصول إلى الولايات المتحدة.
وخلال فترة معالجة طلب لجوئها إلى إسبانيا، فقد أقام بومهدي حفلًا في الجديدة لتكريم النساء في سلك الشرطة إحتفالًا باليوم العالمي للمرأة.
إعتبارا من نونبر 2020، مازالت شكوى التحرش الجنسي المقدمة من خرشش قيد الإستئناف، بعد مضايقة ومراقبة زوجها وبناتها.
وهيبة خرشش بعيدة كل البعد عن كونها امرأة غير عادية، لكنها تسلط الضوء على معاملة الدولة المقلقة والمعيبة بشدة لمزاعم الإعتداء الجنسي، على الرغم من أن العناوين الرئيسية في الصحافة الموالية للسلطة تشير إلى أن المغرب يخطو خطوات كبيرة في محاسبة المعتدين الجنسيين.
عندما تقدمت امرأة في فبراير 2017 بزعم أن سالم شيخ، مدير القناة المغربية العامة “2M “، قد إعتدى عليها جنسيا، تم تسريب هويتها إلى وسائل الإعلام المغربية وإنتشرت تقارير بأنها تواجه إتهامات بالتشهير. وعندما تقدمت امرأة فرنسية من أصل مغربي بشكوى بأن نجم البوب سعد لمجرد إغتصبها في الدار البيضاء عام 2015، رُفضت قضيتها. وفي مارس 2012، عندما تمكنت أمينة الفيلالي، فتاة تبلغ من العمر 16 عامًا، من رفع قضية ضد مغتصبها إلى المحكمة، حكم القاضي بأن يتزوجها!! فشربت سم الفئران وتوفيت بعد بضعة أيام.
الصحفي سليمان الريسوني، وهو أيضًا صحفي بصحيفة “أخبار اليوم”، يوجد رهن الإحتجاز في إنتظار إتهامات رسمية بشأن مزاعم إغتصاب إثر إعتقاله في 29 ماي، إتهموه بالتعاون مع وكالات إستخبارات أجنبية، ثم إتهموه بالإغتصاب واعتقلوا في يوليوز المنصرم.
في المقابل، وفي واحدة من العديد من القضايا المتعلقة بالإغتصاب التي واجهها الفنان سعد المجرد خلال مسيرته الموسيقية في نونبر 2016، أعلنت الجهات العليا أن المحامي إيريك موران مورتي سيدافع عن هذا الأخير، وأن جميع الرسوم القانونية لنجم البوب مؤداة.
الدولة تواطأت أيضا في الإنتهاك الجنسي الذي تعرضت له الصحفية هاجر الريسوني، وهي أيضًا صحفية سابقة في “أخبار اليوم”؛ فعندما تم القبض عليها في أكتوبر 2019 بسبب مزاعم بأنها أجرت عملية إجهاض وجنس خارج نطاق الزواج، وقتها أجبرتها السلطات على الخضوع لفحص طبي رغماً عنها لتحديد ما إذا كانت قد أجهضت أم لا.
أثناء بناء قضاياها ضد صحفيين مثل بوعشرين وسليمان الريسوني، أجبرت الدولة امرأة واحدة على الأقل على الإدلاء بشهادة زور بأنها تعرضت للإغتصاب أو قدمت شهادة زور من خلال تزوير محضر قدمته لمحققي الشرطة. عندما تم إستدعاء زميلة بوعشرين في أخبار اليوم، عفاف برناني، للمثول أمام الشرطة، أكدت أنها لا تتورع في الدفاع عن بوعشرين لأنها لم ترَ إلا الخير منه كزميل ورئيس في العمل، وتفاجأت لاحقًا بأن أقوالها مزورة.
وعندما إحتجت علنًا وأعلنت إستعدادها لمقاضاة السلطات بتهمة التزوير، إنتهى الأمر ببرناني بتهمة التشهير بالشرطة وحُكم عليها بالسجن ستة أشهر بعد حملة إستمرت شهورًا من المضايقات والتشهير على وسائل الإعلام الموالية للحكومة. قصة عفاف برناني انتهت بهروبها إلى تونس، وسردت محنتها في مقال رأي نشر بصحيفة واشنطن بوست.
غير عفاف، تعرضت نساء أخريات رفضن الإدلاء بشهادتهن في قضية بوعشرين للتهديد بنشر لقطات فيديو خاصة، فضلاً عن التشهير المستمر على مواقع الويب التي لها علاقات وثيقة بالأجهزة الأمنية.
هذه الحالات تقدم لمحة موجزة عن الكيفية التي سعت بها الدولة المغربية إلى تجنيد النساء وأجسادهن وجعلهن في الخطوط الأمامية لمعركتها ضد خصومها.
في أواخر أكتوبر 2020، إنضمت خرشش إلى 20 امرأة مغربية أخرى لتوقيع بيان من قبل الجمعية النسوية خميسة، الذي يدعو إلى آليات فعالة للتعامل مع حالات العنف الجنسي وإنهاء إستغلال أجساد النساء في القضايا السياسية. ومن بين الذين وقعوا على بيان خميسة الصحفيتان: برناني من منفاها التونسي، وهاجر الريسوني التي غادرت المغرب أيضا لتعيش في السودان مع زوجها.
بالنسبة للدولة، لا يتم التعامل مع جميع مزاعم الإعتداء الجنسي على قدم المساواة؛ ففي الوقت الذي لقي النجم سعد المجرد دعما من السلطة وتغطية شاملة لجميع الرسوم القانونية، ويتم ترقية مسؤولي الأمن ذوي الصلات الجيدة، يتم إعتقال الصحفيين المنتقدين بسرعة وتوجيه الإتهام إليهم وسجنهم، ناهيك عن الأخبار الزائفة وكل ما يتعلق بذلك من تشهير في الصحافة الموالية، بدلاً من تحقيق العدالة لضحايا الاعتداء الجنسي.