الجزائر.. تفاصيل معركة كسر العظم بين الرئاسة وقيادة الأركان العامة للجيش الشعبي الوطني !!

Advertisement

الجزائر- محمد سالمي – الأناضول…

بعد ساعة واحدة فقط من كلمة قائد الأركان الجزائري أحمد قايد صالح، التي شدد فيها على أنه “لا مجال للمزيد من تضييع الوقت، ويجب التطبيق الفوري للحل الدستوري المقترح المتمثل في تفعيل المواد 7 و8 و102″، حتى أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، استقالته رسميا.
ورغم أن بوتفليقة، قال الإثنين، إنه سيستقيل من منصبه قبل نهاية ولايته الرئاسية في 28 أبريل/ نيسان الجاري، وأنه سيتخذ “قرارات هامة” قبل هذا التاريخ، إلا أن قلة من توقعوا أن إستقالته ستكون هذا الثلاثاء، دون صدور أي قرارات يمكن وصفها بـ”الهامة”.
وهذا ما يؤكد أن إستقالة بوتفليقة، لم تأت إلا بـ”ضغط حاسم” من الجيش، بعد أن تجاهل المجلس الدستوري برئاسة الطيب بلعيز، أحد المقربين والمخلصين للرئيس المستقيل، دعوة قائد الأركان لتفعيل المادة 102 وإعلان عجز الرئيس.
وأكثر ما أثار غضب قائد الأركان، محاولة شقيق الرئيس المستقيل سعيد بوتفليقة، المناورة والتحالف مع قائد المخابرات السابق محمد مدين المدعو الجنرال التوفيق، والإستعانة بالرئيس السابق اليامين زروال، للإلتفاف على مقترح قايد صالح، وتشكيل هيئة رئاسية تقود البلاد خلال المرحلة الإنتقالية.
كان واضحا أن الهدف من تحالف الرئاسة مع قائد المخابرات السابق، الذي أسس طيلة سنوات طويلة “شبكة من الأتباع”، هو إقالة قايد صالح من رئاسة الأركان، مثلما تحالف الأخير مع الرئاسة في 2015، للإطاحة بالجنرال التوفيق، الملقب بصانع الرؤساء، من على رأس جهاز المخابرات، الذي قاده لنحو ربع قرن.
فمعادلة الحكم في الجزائر، تتشكل من ثلاث مراكز قوى رئيسية: الرئاسة، قيادة الأركان، والمخابرات. وإذا تحالف إثنان سقط الثالث.
وهذا ما يفسر البيان شديد اللهجة لقايد صالح، ضد إجتماع لأطراف لم يسمها، في إشارة إلى السعيد بوتفليقة (الرئيس الفعلي للبلاد حينها) والجنرال التوفيق، والذي عرض على زروال خلال لقاء به، السبت الماضي، “رئاسة هيئة تسير المرحلة الإنتقالية”، بطلب من السعيد، حسب رواية زروال، الذي رفض الإقتراح.
وبين ليلة الإثنين إلى ظهر الثلاثاء، شُنت حرب إشاعات شعواء على قايد صالح، وصدر بيانان مزوران من الرئاسة تقيل الأخير من رئاسة الأركان، وهو ما نفته وزارة الدفاع ، كما نفى البيان الثاني مستشار الرئيس علي بوغازي (إسلامي) الذي أستُعمل توقيعه في بيان الإقالة المزعوم.
ورغم أن البيانين كان واضحا أنهما مزورين لإعتماد الأول على مواد دستورية لا علاقة لها بإقالة قائد الأركان، أما الثاني فمُوقع من مستشار بالرئاسة لا يملك صلاحية إقالة موظف في الرئاسة، ناهيك عن إقالة قائد أركان، نائب وزير الدفاع.
ومع ذلك تم تداول البيانين على نطاق واسع في شبكات التواصل الإجتماعي، بل نشرته حتى وسائل إعلام أجنبية، وخرج على اليوتيوب من يؤكد أن السعيد بوتفليقة أقال فعلا قايد صالح، بإستعمال ختم الرئيس، وأن الأمر ليس مجرد إشاعة.
فـ”القرارات الهامة”، التي تحدث عنها الرئيس بوتفليقة قبل تنحيه، كان من المنتظر أن تشمل إقالة قائد الأركان، خاصة وأن شعارات رفعت خلال المظاهرات المليونية الأخيرة تضمنت دعوة لإقالة رئيس الأركان، على غرار “يا بوتفليقة أنت رايح رايح إدي معاك قايد صالح” (يا بوتفليقة أنت راحل راحل، خذ معك قايد صالح)، وهو ما إعتبره الأخير مناورة من الرئاسة وذراعها الأمني لتشويه قيادة الجيش.
وهذا ما دفع رئيس الأركان في بيانه الأخير للقول بلهجة حادة: “لا يمكنني السكوت عن ما يحاك ضد هذا الشعب من مؤامرات ودسائس دنيئة من طرف عصابة إمتهنت الغش والتدليس والخداع”.
كانت معركة كسر عظم إلى الرمق الأخير، إستعمل فيها جناح الرئاسة المناورة السياسية لكسب المزيد من الوقت للخروج بأقل الخسائر، فيما أصرت قيادة الأركان على تضييق الخناق على الرئيس بوتفليقة ومحيطه بشكل تدريجي، مع الحرص على البقاء في إطار دستوري والتماهي أكثر مع مطالب الشارع، لتفادي أخطاء التسعينات، أو تكرار سيناريوهات دول الربيع العربي.
وهذا ما أشار إليه بيان قائد الأركان عندما تحدث عن ثلاث محطات (18 و26 و30 مارس/ آذار) إقترح خلالها بتفعيل المادة 102، المتعلقة بشغور منصب الرئاسة بسبب العجز أو الإستقالة أو الوفاة، وعززها فيما بعد بالدعوة لتفعيل أيضا المادتين 7 و8 اللتان تنصان على أن السيادة للشعب بعدما رفض المجلس الدستوري الإجتماع لإثبات عجز الرئيس.
وفي هذا الصدد، قال قايد صالح، في بيانه الأخير الثلاثاء، “لكن مع الأسف الشديد قوبل هذا المسعى بالتماطل والتعنت بل والتحايل من قبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها”.
وإتهم قائد الأركان، السعيد بوتفليقة، دون أن يسميه، بأنه “بصدد الإلتفاف على مطالبه (الشعب) المشروعة من خلال إعتماد مخططات مشبوهة، ترمي إلى زعزعة إستقرار البلاد والدفع بها نحو الوقوع في الفراغ الدستوري”، في إشارة إلى إكمال عبد العزيز بوتفليقة ولايته الرئاسية إلى غاية 28 أبريل الجاري، ومغادرته دون أن يسلم الرئاسة إلى رئيس منتخب، خاصة وأن الدستور الجزائري لا يتحدث في هذه الحالة عن تولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة لفترة انتقالية.
وهذا ما يؤكد أن قادة الجيش حسموا أمرهم نحو “إجبار” بوتفليقة على الإستقالة من رئاسة الجمهورية “فورا”، لتفادي سيناريو “الفراغ الدستوري”، أو لمزيد من مناورات محيط الرئيس، التي قد تزيد المشهد السياسي تعقيدا، وتطيل من عمر الأزمة.
وأمام إصرار الجيش، قدّم بوتفليقة إستقالته، وكان لافتا أنها جاءت لتفادي الأسوأ خاصة عندما تحدث عن “تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب، ويا للأسف، الوضع الراهن، وإجتناب أن تتحول إلى إنزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الأشخاص والممتلكات”.
وإستند الجيش في دفعه لبوتفليقة نحو الإستقالة، إلى جانب الشرعية الدستورية والشعبية، إلى مكافحة الفساد الذي إستشرى في البلاد خلال السنوات الأخيرة، وكان أحد مطالب المتظاهرين الذين صرخوا “كليتو (أكلتوا) البلاد يا السراقين (أيها اللصوص)”.
وتساءل قايد صالح، في هذا الصدد: “كيف تمكنت هذه العصابة من تكوين ثروات طائلة بطرق غير شرعية وفي وقت قصير، دون رقيب ولا حسيب، مستغلة قربها من بعض مراكز القرار المشبوهة، وها هي تحاول تهريب هذه الأيام الأموال المنهوبة والفرار إلى الخارج”.
في إشارة إلى رجال أعمال مقربين من الرئاسة على رأسهم علي حداد، الرئيس السابق لمنتدى رؤساء المؤسسات، الذي أعتقل الأحد، عند محاولته الفرار برا إلى تونس.
وبخصوص مستقبل الجزائر في ظل المرحلة الإنتقالية القادمة، لا يرى قائد الأركان ذلك إلا في إطار “الشرعية الدستورية” من خلال تفعيل المادة 102 ومعها المادتين 7 و8، وفي هذه الحالة سيتولى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، رئاسة البلاد لفترة إنتقالية، يتم خلالها تنظيم إنتخابات رئاسية تحت إشراف حكومة نور الدين بدوي.
لكن المعارضة والشارع يرفضون رئاسة بن صالح، للبلاد خلال الفترة الانتقالية، بإعتباره أحد المقربين من بوتفليقة ورمز من رموز النظام، والأمر ينسحب كذلك إلى حكومة بدوي، التي يحصنها الدستور من الإقالة خلال الفترة الانتقالية، وهو ما يعني أن المظاهرات قد تسمر حتى بعد إستقالة بوتفليقة.
وتقترح المعارضة الإستناد إلى المادتين 7 و8 التي تمنح السيادة للشعب، من خلال تشكيل هيئة رئاسية، وحكومة لا تضم وجوه النظام السابق، لإدارة المرحلة الإنتقالية قبل تنظيم إنتخابات لإختيار رئيس جديد، لتفادي إعادة إنتاج النظام القديم نفسه عبر الإنتخابات.
لكن يبقى التساؤل حول مدى استجابة الجيش لمطالب المعارضة حول كيفية إدارة مرحلة ما بعد بوتفليقة.

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.