قراءة تحليلية ونقدية للرسالة الإستعجالية للمدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي لولايات الأمن والأمن الإقليمي والجهوي ومفوضيات الشرطة المنتشرة بكل مدن المملكة !!

Advertisement

وصل إلى علم موظفي الشرطة بمختلف التراب الوطني ، أن المدير العام للأمن الوطني السيد عبد اللطيف الحموشي قام بإرسال إرسالية استعجالية الى كافة ولاة الأمن والأمن الإقليمي والجهوي ومفوضيات الشرطة يحثهم فيها على حسن معاملة الموظفين العاملين تحت إمرتهم.
وهذا ما توصلت به التنسيقية الجهوية لموظفي الأمن الوطني بأكادير، حيث أنه مباشرة بعد التوصل بالإرسالية قام والي أمن أكادير السيد مصطفى امرابظن بعقد إجتماع مع كافة رؤساء المصالح بولاية أمن أكادير خصص الإجتماع لتدارس وقراءة مضمون الإرسالية المتعلقة بالعناية بموظفي الأمن الوطني خاصة بعدما إسترعى إنتباه المصالح المركزية تواتر حالات الإستقالة من صفوف الأمن الوطني، مما يستدعي التفكير الجدي في أسباب هذه القرارات وكذا التدابير الكفيلة بإعادة ثقة الموظفين في مؤسساتهم الأمنية وتعزيز الشعور بالانتماء للجهاز الأمني.
وكانت تقف تدخلات حسب ما مبين في الرسالة التي وجهها السيد والي أمن أكادير الى المدير العام للأمن الوطني إلى بعض الأسباب التي قد تكون وراء هذه الإستقالات ، خاصة في صفوف شرطة الزي الرسمي، وقد ارتأيت كتابة هذه الاسباب مع مجموعة من الشروحات والتي تم تلخيصها كالتالي :
1) – أسباب ذاتية مرتبطة بنفسية الشباب المغربي المعاصر، والذي لم تعد لديه القدرة على تحمل إكراهات المهنة الشرطية والالتزامات التي تفرضها سواء فيما يتعلق بتوقيت العمل وواجب التحفظ وتحمل الضغوطات الناجمة عن بعض المناسبات كالأعمال النظامية، والتنقلات وغيرها مقابل الرغبة في الانخراط في أعمال تتميز بالمبادرة الفردية والحرية المطلقة .
وإن هذه الأسباب ليس لها أي دور في النفر من هذه المهنة، وإنما المعاملات السيئة من طرف الرؤساء والذي يعتبرون الموظفين عبيدا لديهم، وكذا نظام العمل المعمول به في بعض المصالح خاصة نظام 3/8 حيث يعمل الشرطي ثمان ساعات ويرتاح 16 ساعة ليعود للعمل بعدها دون أن يستفيد من يوم راحة في الأسبوع ، بحجة أن العدد غير كافي أو هناك إنتقالات بعض العناصر الى مدن أخرى ، إضافة إلى أنه مطالب بالحصيلة نهاية كل حصة ، فتجده منهك وقواه منهارة وهو لايشتغل إلا رغما عنه، ويطالب بالحصيلة والمردودية، فكيف تكون المردودية ايجابية لشخص الله وحده يعلم بحالته الصحية والنفسية دون تحفيز مادي أو معنوي .
أما أثناء الأعمال النظامية يبقى الموظف طوال المدة في العمل دون أكل أو شرب ، وإن توفر له ذلك توفر له مايعرف بالشاطيرا التي لا تسمن ولاتغني من جوع، ولايسمح له التحرك من مكانه مطلقا ولو لقضاء حاجته.
– اللباس المخصص لشرطة الزي الرسمي من ، أحذية ولباس ، ولا سيما في فصل الصيف، فتجد اللباس خشنا يصل إلى كف اليد ويرفع من درجة حرارة الجسم ، ويزيد من تصبب العرق من جسم مرتاديه . وهذا كله بسبب الصفقات المشبوهة الموقعة من طرف المسؤولين المركزيين ويأتون بملابس وأحذية رديئة بأبخس الأثمان .

– عدم توفير السيارات لنقل الموظفين المعينين بالمدارات الطرقية، خاصة في المدن الكبيرة وتكون المدارة بعيدة فيضطر الشرطي الى اخذ سيارة أجرة من ماله الخاص من مقر ولاية الامن الى المدارة التي عين بها دون الحصول على منحة تنقل او تحفيزات مادية، إضافة أثناء المباريات الكروية أو المهراجانات يضطر موظف الشرطة أخذ سيارة أجرة من ماله الخاص أو يبحث عن زميل له سيارته الخاصة يقله معه او يزدحم مع الناس في الطوبيس إن لم يجد هذا ولاذاك .
– والتوقيت الذي يفرض عليه حضوره معه إلى ساحة المهرجان أو ملعب كرة القدم، فمثلا الحدث سيبدأ مع الثامنة مساء، يلزم على الموظف الحضور مع التانية بع الزوال ، ويظل في الشمس والجوع والعطش إلى أن تنتهي المباراة او الحفل ، ويبقى في مكانه إلى أن يتفرق الجمع والتي قد تصل إلى ساعتين إلى ثلاث بعد نهاية الحفل ، حينها ترفع الترتيبات ، ويلزم على الموظف العودة في اليوم الموالي في نفس التوقيت إن كان الحفل سيتكرر، أما إن كان لا فعليه الحضور للعمل العادي صباحا .
وهذا كله بشكل مجاني دون تحفيزي معنوي أو مادي، وإن إنتهت مدة الإحتفالات خاصة إذا كانت المدة طويلة مابين ثلاثة الى أربعة أيام، وطلب رخصة إستثنائية ليرتاح، يرفض طلبه (ماشي غير نت اللي كاين ) أما إن منحت له شهادة طبية لمدة يومين أو ثلاثة ( فان الدنيا تقوم ولا تقعد ) ويتهم أنه يتهرب من أداء المهام ، ولابد أن يتم استفساره ويعاقب عقوبة إدارية .
– الدراجات النارية والسيارات التي يشتغل بها عناصر الشرطة العاملة بالقطاعات الخارجية، كلها قديمة ومهترئة وفي حالة عطب كل وقت وحين، ويجب أن تخضع لإصلاحات دورية وفي غالب الأحيان تكون الإصلاحات من جيوب الموظفين ، وإن رفض الموظف إستعمال تلك الوسيلة لحالتها الميكانيكية المهترئة ، يتهم انه يتهرب من العمل ولا يريد أن يشتغل .
– الضغوطات النفسية التي يتعرضون لها من طرف المسؤولين المباشرين، والذي يريدون فرض وجودهم أنهم أصحاب القرار الأول والأخير في مسيرته المهنية، ولكي يبتعد المسؤول عن الموظف الصغير يجب ان تجمع له رشوة مالية او سيعرضه لعقوبات إدارية، أو يعلمه فن القوادة والتبلحيس ولحيس الكابة لتصله كل صغيرة أو كبيرة عن الموظفين الآخرين .
– الحرمان من الإجازة السنوية ، حيث ما أن يضع موظف الشرطة طلب الإستفادة من إجازته السنوية، فيرفض طلبه بحجج واهية دون أن يتلقى أي مبرر مكتوب عن رفض طلبه حتى لا يأخذه حجة لدى القضاء الإداري، وإن لجأ الى القضاء الإداري دون حجة فإن المسؤولين ينكرونه أنه لم يتقدم بالطلب مطلقا، وهذا هو الساري والسائد في هذه الإدارة ، وهو الساري في إدارة لطالما تشدق مسئولوها بحرصهم على احترام الحقوق والحريات .
2) – السن القانوني للإندماج في الوظيفة الأمنية والتي تحدد في سن 21 سنة فما فوق ما يجعل من الشباب المقبل على هذه المهنة شخصا تلقى مايكفي من التكوين الجامعي وبالتالي الحصول على شواهد عليا أقلها الإجازة مما يجعله غير راض على قيمة الوظيفة ( كحارس امن ، ومفتش الشرطة) وطموحه لبلوغ مناصب عليا نظير الشواهد العليا التي يتوفر عليها.
لا يمكن إعتبار معيار السن أو الشواهد المحصل عليها سببا في النفور من هذه المهنة، فكثير من المهن فيها أشخاص لديهم شواهد عليا لكنهم راضين بتلك المهنة التي يزاولونها نظرا لما توفرإليهم من تحفيزات مالية ومعنوية، كما أنه ينبغي القطع مع الإجراءات المعمول بها داخل هذه الإدارة فيما يتعلق بالترقية، وإعادة الترقية بالشهادة وإعطاء الأولوية للأشخاص الحاملين شواهد أو ديبلومات متخصصة ( فمثلا هناك أشخاص لديهم شواهد في اللغات الحية، وديبلومات في التسيير والمعلوميات ويتم تعيينهم في مصالح المحافظة على النظام، أو في مصالح تنسيهم ما تلقوه من تكوين طوال حياتهم ولم يعودوا يفقهون إلا لغة أجهزة الإرسال ) ..
كما أنه ، كم من موظف يتم تعيينه إما في كتابة مصلحة وهو لايفقه شيئا فيما يتعلق بنظام المعلوميات ؟؟ ولا يفقه في اللغة الفرنسية المعمول بها داخل الإدارة ؟؟ ) ، زد على ذلك الشرطة السياحية التي يعمل بها موظفون لا يفهمون شيئا في اللغات الحية خاصة الإنجليزية والفرنسية والإسبانية..

3) – ضعف مستوى التكوين الأساسي لدى مجموعة من الموظفين المنتمين للأفواج الأخيرة خاصة التي تزامنت مع فترة جائحة كورونا ، وما فرضته من إعتماد أساليب بديلة أقل صرامة ( التكوين الأساسي بالمصالح الخارجية)، إن ضعف التكوين ليس سببا في النفور من مهمنة الشرطي ، بل قد يكون طول مدة التكوين سبب في النفور، نظير المعاملات التي يتعامل بها الشخص داخل مراكز التكوين من طرف بعض المؤطرين، ناهيك عن الوجبات المقدمة داخل هذه المراكز، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر وجبة الفطور التي لا تستغني عن كمية من المربى (CONFITURE) وقطعة جبن (FROMMAGE) وكأس شاي أو قهوى كل صباح دون تغيير مما يجعل المرء يأنف من هذه الوجبة، ولكن لعدم وجود بديل يتناولها رغما عنه، إضافة الى وجبة العشاء التي في غالب الأحيان ليست إلا صحن من الحساء، وبيضة أو فرماجة وكاس شاي، ما يجعل المرء يتدور جوعا إلى الصباح أضف إلى ذلك أن المحلات التجارية الموجودة داخل المراكز لا توفر اكلا سوى قطع من الحلويات المعلبة والمربى ، وما يزيد الطين بلة عدم السماح بإدخال أي أكل من الخارج إلى مراكز التدريب طوال الأسبوع ، ومن ضبط لديه أكل تتم معاقبته حتى وإن كان الأكل الذي ضبط بحوزته من المتوفر بمراكز التكوين وهذا الأخير يمنع أخذه إلى الغرف التي يستقر بها المتدرب..
والتكوين الذي يتلقاه الفرد بالمصالح الخارجية أكثر من التكوين الذي يتلقاه داخل مراكز التدريب، فمراكز التدريب توفر ماهو نظري فقط، بغض النظر عن التطبيقي الذي توفره المصالح الخارجية . إضافة ألى أن المستقلين من هذه المهنة ليس من الأفواج الأخيرة وإنما موظفين تجاوزت سنهم الأربعين سنة أو تجاوزت مدة عملهم بهذه الإدارة
عشر سنواتن مما يدل على أن السياسة المتبعة في تسيير العمل هي السبب وراء الإستقالات وليس التكوين.

4 ) – مشكل التنقلات المستمرة وظروف الإقامة أثناء هذه المهمات، وكذا طبيعة العمل القائمة لتأمين النقط التابثة بالنسبة لمجموعات حفظ النظام ومجموعة حماية المنشات الحساسة والتي تجعل موظف الشرطة يحس بالروتين وعدم المردودية، وهذه النقطة التي اشارت اليها الوثيقة، نقطة مهمة وأخيرا يعترف مسؤول أمني كبير بالتقصير في هذا المجال، وقد كتبت بسببه مقالات كثيرة ونشرت على صفحات جريدة ” الشروق نيوز 24 ” الالكترونية، وبالفعل أن موظفي الشرطة سئموا من التنقلات المستمرة والتي قد تبلغ مرة واحدة في كل شهر، ومن الموظفين من لديهم أحد أفراد عائلته يعاني من أزمة صحية ويحتاج الى من يسهر على رعايته، وبسبب تنقل موظف الشرطة ، يضطر هذا الأخير إلى تكلف أحد الأقرباء بالتكفل والرعاية حتى يعود، وكذا الأماكن التي يتم توفيرها لاقامة هؤلاء الموظفين الذين يتم نقلهم، خاصة من ذوي الرتب الصغيرة ( كحراس الأمن والمفتشون ) والذين لا توفر لهم فقط إلا قاعات للرياضة أو ثكنات GMIMO ولا تتوفر لو على شرط من شروط الراحة، ناهيك عن الأفرشة والأغطية التي يتم توفيرها والمتسخة والمليئة بالغبار، ولكون الفرد مصاب بالربو والحساسية يضطر الى اقتناء فراش آخر نقي يستعمله طوال تلك المدة، أو أنه يضطر إلى كراء شقة مفروشة رفقة ثلاثة أو أربعة من زملائه، أو يبحث عن صديق له بتلك المدينة يمكث عنده إلى أن ترفع الترتيبات، وهذا مايحصل مع كل موظف يتم نقله إلى مدينة خرى، زد عليها وسيلة النقل التي يتم توفيرها لنقل هذه الفئة إلى المدينة المراد نقلهم اليها ، والتي تكون مهترئة وكراسي مكسرة ومتسخة ، والأسوء من ذلك ما أن يصل الموظفين الى تلك المدينة تتم المناداة عليهم في الحال لحضور ما يعرف بالإجتماع ( rassemblement) ، ويتم إشعارهم أو البعض منهم أنه سيبدأ العمل بعد ساعة أو ساعتين على ابسط تقدير دون مراعاة أتعاب السفر وطول الطريق خاصة إذا قدموا من المناطق البعيدة.
إضافة الى التعويضات الهزيلة التي يتلقاها الموظف أثناء نقله والتي لا تتعدى 90 درهما لحارس الأمن و 120 درهما لمفتش الشرطة ، والساعات الطويلة في العمل حيث أنه من واجب موظف الشرطة العمل لساعات طوال وليس من حقه تعويض جيد نظير ذلك ، والأسوء من ذلك أنه من بين الموظفين من هم من الرتب الصغيرة ، ويعملون عمل الموظفين من الرتب المتوسطة والكبيرة، كحارس أمن في بعض الأحيان أو مقدم شرطة او مقدم شرطة رئيس تناط به مهام ضابط الأمن ، ويتحمل المسؤولية كما يتحملها ضابط الأمن ..
ومفتش الشرطة أو مفتش الشرطة الممتاز الذي لديهم الصفة الضبطية ، تناط بهم مهام ضباط الشرطة ويتحملون المسؤولية الكاملة عن كل ذلك بصفتهم ضباطا للشرطة القضائية، لكن في تعامل الإدارة معهم وفي التعويضات فهم ليسوا إلا موظفين من الرتب الصغيرة ولا يتقاضون تعويضا كبيرا كباقي الضباط .
5) – عدم الاستجابة لطلبات الإنتقال أو الإنتقال بالتبادل في الآجال المعقولة وجعل هذه العملية سنوية مما يزيد من إحباط العناصر التي لم يستجب لطلباتها، هذه نقطة مهمة وسبب أخر في النفور من مهنة الشرطة ، حيث انه ينتظر الموظف لسنة كاملة في الحصول على الانتقال أو الانتقال بالتبادل، وفي الأخير يجد بعض الموظفين أنفسهم مستثنى من هذه العملية مما يسبب لهم مزيدا من الإحباط والنفور من هذه المهنة خاصة انهم لا يتلقون جوابا يفسر سبب رفض طلبهم، ومنهم من يرسل طلبات متكررة كل سنة دون جدوى، ويرسل طلب السماع إليه ولقاء السيد المدير العام دون جدوى ، ويبقى حائرا مع نفسه، ما العمل بعد ذلك، أيستقيل، أم يضع حدا لحياته ويرتاح من كل هذه المحن..
ونقطة أخرى يجب الاشارة اليها وهي عرف داخل هذه الإدارة، أن بعض الموظفين أرسلوا طلبات الإنتقال أما بالتبادل أو الإنتقال السنوي وفي كل مرة يجدون أنفسهم محرومون دون جواب شافي ، ومن لديه أي معرفة بالإدارة المركزية يستفسره عن السبب ؟؟ ، ويكون الجواب ان احد افراد عائلته لديه سوابق قضائية، أو ينتمي الى جماعة أو منظمة محظورة ولكي لا يزوده بمعلومات ، لابد من ترك موظف الشرطة بالمكان المعين به بعيدا عن هذا الشخص، وهذا مايسمى الكلاخ المبين لان موظف الشرطة إن أراد أن يزود ذلك الشخص بأية معلومات ليس البعد هو من سيمنعه.
6) – إعادة النظر في سن التوظيف على غرار باقي القوات العمومية التي تفتح باب الإنخراط في صفوفها في سن 18 سنة أي مباشرة بعد الحصول على شهادة البكالوريا، وتمكينه من تكوين داخلي لمدة معقولة حتى يتشبع بالقيم الوطنية والضوابط المهنية ..
إن الإنسان المغربي متشبث ومتشبع بالقيم الوطنية، ربما أكثر من أي إنسان آخر على وجه الأرض، لكن ما أن يصبح فردا من أفراد هذه الادارة، وإن المعاملات التي يعامل بها، من إحتقار، والشطط في استعمال السلطة، والحرمان من الحقوق، والعقوبات المتتالية دون حق، وتسخير مختلف وسائل الإعلام المرئية منها والمكتوبة والمسموعة والمقروءة للتشفي في العقوبات المفروضة على موظف الشرطة لبيان أن الإدارة منفتحة ، وتنهج سياسة تخليق المرفق الشرطي حتى ينفر المرء من هذه المهنة، وهذا ماجعل الإمتحان الاخير يبرهن أن المغاربة بدأوا ينفرون فعلا من الولوج إلى هذه الوظيفة بسبب ما يسمعونه عن أفراد عائلاتهم الذي إما إستقالوا أو هاجروا وتركوا وظيفتهم ولم يعودوا .
وإن السن ليس هو المعيار لحب هذه المهنة، بينما العلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين ، ومنظومة التحفيز والترقية ، والحماية الإدارية والقانونية ، وقنوات التواصل والتظلم، والإحتقار ونظام العبودية المعمول به داخل الإدارة العامة للأمن الوطني ، هي الأسباب المباشرة وراء عزوف المغاربة للإنتماء إلى هذه المهنة.

7 ) – إيلاء أهمية قصوى لمرحلة ماقبل التوظيف لإختيار العناصر المناسبة لمهنة الشرطة، بدءا بجلسات الانتقاء النفسية مرورا بمرحلة التدريب الأساسي التي يجب أن تشكل مرحلة التمحيص عبر إخضاع المتدربين لمختلف التجارب الكفيلة بإبراز مدى قدراتهم على الاندماج ، وخاصة على التحمل، قبل مرحلة التخرج ، إن الشخص عندما يلج الى هذه المهنة يكون بكامل قواه العقلية والنفسية والبدنية ، حيث أنه يخضع لمجموعة من التحاليل والفحوصات تتبث خلوه من أي مرض من الأمراض المعدية أو المزمنة ( كمرض القلب والشرايين وأمراض الدم والسكري والأعصاب وغيرها) كما يخضع لإختبار بسيكولوجي لتأكد من خلوه من أي مرض نفسي أو عقلي ، لكنه سرعان وبسب الضغوطات النفسية والضغوطات في العمل لا ينجو من الإصابة بأي مرض من الأمراض المذكورة خاصة الأمراض النفسية والعصبية، لكن الإدارة العامة لا تبالي الى ذلك ، وكثير من الموظفين مصابين بأحد هذه الأمراض ، ولايزال يشتغل في مصالح تعرف ضغطا كبيرا في العمل سيما مصالح الشرطة القضائية والدوائر الامنية ، ورغم توفرهم على شواهد طبية تتبث كل ذلك إلا أن المسؤولين غير مبالين لهذا ولايزال يعملون في تلك المصالح بالرغم ما تعرفه من ضغوطات نفسية وعملية، دون نقلهم الى مصالح أخرى أقل ضغطا كالمصالح الإدارية أو المصالح الاجتماعية .
8 ) – العناية بالجانب الإجتماعي والترفيهي لموظفي الشرطة على غرار بعض القطاعات العمومية وخاصة مايتعلق بالتفكير في مبادرة لتوفير السكن وفتح مراكز إستشفائية جهوية مجهزة خاصة بأسرة الأمن الوطني..
إن الحديث عن الجانب الإجتماعي له ماله في هذا المجال، وإن الإدارة العامة للأمن الوطني لا تبالي إلى الجانب الاجتماعي كباقي القطاعات الحكومية الاخرى، فمثلا ليس هناك اتفاقيات مالبنوك لنقص الفائدة او منح مبلغ مالي محدد دون فائدة لموظفو الشرطة من طرف البنوك أسوة برجال التعليم ..
– عدم وجود إتفاقيات مع شركات العقار من أجل إقتناء موظفي الشرطة مساكن بثمان معقولة ، أو إقتناء ارض وبناء مسكن باثمان محفزة .
– عدم وجود إتفاقيات مع مصحات خاصة لتوفير التطبيب لموظفو الشرطة بثمن رمزي أو أثمان قليلة التكلفة ، كما لا تتوفر مصحة أو مستشفى خاص برجال الأمن سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي ، وعندما يصاب موظف الشرطة في التدخلات ينقل الى مستشفى عمومي ويترك يواجه مصيره بين الحياة والموت دون رعاية.
عدم وجود إتفاقيات مع مؤسسات فندقية سواء بالمدن الساحلية أو المدن الداخلية لتوفير خدمات فندقية للموظفين لقضاء إجازتهم السنوية أو بالنسبة للموظفين حديثي الزواج أسوة برجال التعليم والقضاء الى غير ذلك من الوظائف العمومية الأخرى.
عدم وجود إتفاقية مع شركات النقال الطرقي أسوة بقطاع التعليم ،اللهم تلك المتعلقة بالسكك الحديدية كون الشرطي قلما يستعمل وسيلة القطار لتنقلاته خاصة في المدن التي ليس بها قطار..
9 ) – النهوض الدوري بالأوضاع الإجتماعية لموظفي الشرطة عبر تخصيص منح إستثنائية ،وخاصة في بعض المناسبات كالدخول المدرسي ، والأعياد، والعطلة الصيفية، …. ، وذلك حتى تساير الإكراهات الحالية المرتبطة بارتفاع الأسعار، وضعف القدرة الشرائية ، لدى شرائح واسعة منهم بفعل الاقتطاعات البنكية ..
هذه النقطة مهمة جدا، وإن تخصيص منح إستثنائية لموظفي الشرطة سيزيد من تحفيزهم على العمل والرفع من المردوية وحب المهنة ، بدل الإكتفاء فقط بالأجرة الشهرية الزهيدة خاصة الموظفين من ذوي الرتب الصغيرة، والذي أجرته في الوقت الحالي ومع إرتفاع الأسعار لم تعد تكفيه حتى لسد حاجياته اليومية ، ما يضطر بعض الموظفين أن يلجأوا إلى الإقتراض من البنوك أو الإستيدانة لدى زملائهم أو ذويهم وأقاربهم نظرا لأن الأجرة الشهرية لاتكفيه خاصة إذا كان هو المعيل الوحيد لعائلته ومتزوج ولديه أبناء ومصاريف العلاج إن كان هناك مريض إلى غير ذلك …..

10) – الإسراع في الإستجابة لطلبات الإنتقال بالتبادل وكذا الطلبات التي تستوفي الشروط الموضوعية ، كالتجمع العائلي ، المرض، التوفر على سكن قار وغيرها…..،
11) – تهييئ قوائم الإنتقالات مرتين في السنة عوض مرة واحدة التي تزيد من إحباط الموظفين الغير المستفيدين، هاتين النقطتين يمكن إدماجهما في النقطة الخامسة أعلاه، وسبق وإن تم الحديث عنهما مرات عديدة على صفحات هذه الجريدة..
ولابد أن نذكر أن العديد من موظفو الشرطة يرسلون طلبات الإنتقال كل سنة دون نتيجة، ورغم توفرهم على كامل الشروط للإنتقال إما بالتبادل أو ضمن
الحركة الإنتقالية السنوية، لا يتلقون أية إجابة، رغم الطلبات الملحة في ذلك مما يدخلهم في حالة من الإكتئاب والضغط النفسي فيضطرون إما لدفع استقالتهم، أو اللجوء إلى الإنتحار.
12) – برمجة دورات تدريبية خاصة بالعناصر التي ترقت لدرجة ضابط شرطة وضابط أمن لتمكينها من المعارف القانونية والمهنية ، لإشعارها نفسيا بانتقالها الى صف الأطر الأمنية تحفيزا لها على الإندماج في أسلاكها الجديدة وكذا لتحسيسها بالانتقال من مرحلة الى أخرى أعلى..
إن هذه بعض الأسباب التي دفعت بكثرة الإستقالات في صفوف رجال الشرطة ، ولا يمكن سردها كاملة في مقال أو مقالين، وقد نشر ما يكفي منها على صفحات هذه الجريدة ..

نظــــــــــرة انتقاديــــــــــة :

إن التمحيص والإمعان في هذه الوثيقة يظهر، أن هذه الأسباب منجزة من طرف واحد وقد يكون حضور باقي المسؤولين أجسام محنطة فقط ، وذلك لثلاث أسباب هي :
أولهما : إن المسؤول الكبير يكون دائما متكبرا ، ولايرضى أن يسمع مقترحات من هو دونه أو يعمل بها ولو كان صائبا، ودائما يريد أن يتحدث هو والآخرين يسمعون دون ابداء رأيهم في الموضوع ، وإن تكلم احدهم وان كان على صواب فانه لن يرضى الأخذ بفكرته حتى لا يقال أن لديه أفكارا صائبة أحسن منه.
ثانيهما : ونتيجة لما ذكر أعلاه، فان باقي المسؤولين حتى وإن كانت لديهم فكرة صائبة في الموضوع لا يستطيع قولها أمام من هو أعلى منه ، لأن دائما يظن مع نفسه أن فكرته لا يرضى بها من هو فوقه حتى ولو كان على صواب، وإن هؤلاء الذين تمت استشارتهم فاني متأكد أنهم لم يتفوهوا بأي قول مطلقا ، لأنهم أصلا يجهلون الأسباب بالرغم من أنهم مشاركون في صنعها، أو لأنهم لا يستطيعون ذكر الأسباب مخافة اتهامهم بالدفاع عن الموظفين وهم ماوجدوا إلا للدفاع عن الإدارة .
ثالثهما : إن هذه الوثيقة يمكن أن نقول أنها أنجزت من طرف واحد، نظرا لتعبيرها الركيك،
وليست من صنع مسؤول أمني له وزن ثقيل كوالي الأمن ، أو رؤساء مصالح ، اللهم إذا كان مستواهم التكويني اضعف من مرؤوسيهم .
إن البرقية التي أرسلها السيد المدير العام لمعرفة الأسباب وراء إرتفاع نسبة الإستقالات من صفوف رجال الأمن الوطني، أهو بالفعل لمعرفة الأسباب وإيجاد حلول أم فقط يريد تغطية الشمس بالغربال ؟؟ ، ويقال أمام الجرائد والصحف أن المديرية العامة أجرت تحريات بخصوص إرتفاع نسبة الإستقالات وإن نتيجة التحريات أظهرت أن الأسباب إما شخصية أو عائلية وليس لها أية علاقة بظروف وطبيعة العمل، كما أنه لو كانت الإدارة فعلا تريد معرفة الأسباب، لتمت إستشارة ذوي الخبرة والإختصاص، ويكفي فقط الإطلاع على مقال واحد على الجريدة الإلكترونية ” الشروق نيوز 24 ” لأنها مليئة بهذه الأسباب، ويمكن إستخلاص هذه الأسباب التي من ورائها بطبيعة الحال موظفو الشرطة من ذوي الرتب الصغيرة ، لأنهم كما يقال هم حمار الطاحونة وهم ،
ذوي الإختصاص الذين أشرت إليهم، وخاصة العاملين بالشارع العام المعرضون لمختلف المصائب منها الشمس الحارقة، والأذى من طرف المجرمين، إلى غير ذلك من المشاكل، وليس إستشارة العاملين داخل المكاتب ومكيفات الهواء، ويشتغلون ضمن التوقيت الإداري، ولا حملات أمنية، أو نوبة مداومة ليلية، ولا ينجزون محاضر، ولا يقفون بمدارة ولا يرتكزون بالقرب من سفارة أو قنصلية..
وإن كانت الإدارة بالفعل تريد معرفة الأسباب وإيجاد لها حلول ، لخصصت لجنة مركزية لذلك في كل ولاية أمن أو أمن جهوي أو إقليمي أو مفوضية للشرطة، وتم الإستماع الى البعض من موظفي الشرطة ذوي الرتب الصغيرة ، لأنهم هم المعنيون بالخصوص ومعرفة رأيهم والإكراهات التي يواجهونها وإيجاد حلول لها لتفادي حالات الإستقالات والهروب مستقبلا ، ولكن الإدارة ذكية في هذا الميدان ولن تسأل ذوي الرتبة الصغيرة ، وإنما استفسرت المسؤولين الكبار الذين لاعلاقة لهم بالميدان ، ولا يعرفون اكراهات الموظفين وإنما يعرفون سوى منطق الحصيلة والمردودية ومنطق العقوبات .
كما أنه وأخيرا ، الإدارة العامة تعترف أن هناك إستقالات وهروب في صفوف موظفيها وأنهم لم يعودوا راضين عن الوضع والنهج الذي تسير به، وأن زمن الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات قد مضى وإنقطع بحلوه ومره ، وأن قوانين ذلك الزمان لم تعد تصلح لهذا الزمان ، وأنه آن الأوان للتفكير في حل جدري لكل هذه المعضلات ،
وخلاصة القول : إن السبب المباشر وراء كثرة الإستقالات والهروب وما اجمع عليه جميع الموظفين دون إستثناء ، هي السياسة التي يسير بها السيد المدير العام هذه الإدارة مع باقي حاشيته، فهو يعلم كل الأسباب لكنه يتغاضاها كما يتغاضى الحلول .

// التنسيقية الجهوية لموظفي الشرطة //

Advertisement
  1. كمال يقول

    تهرف بما لا تعرف وتوظف معرفتك السطحية التساطيحية بهياكل المديرية ومهامها والوضعيات النظامية والقانونية لمنتسبيها لتضرب في نسق القيادة الاستراتيجية الحكيمة للسيد الحموشي … وضع الشرطة المادي والاعتباري اصبح مثاليا على عهد السيد الحموشي ومن باب الجحود وتبخيس الجهود وتنكيس اعلام صاحب المجهود سوق الكلام ونسج الياف الحجاج بطعم الاحتجاج على هذا المنوال

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.