شهادة حية لمعاناة ناشط حقوقي من فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بميسور نتيجة المطاردة اللصيقة للبوليس السياسي الوحشية ، الديستي ، وعملاء لادجيد بكل من ماليزيا وموريتانيا !!

Advertisement

سيدي المحترم ، سيدتي المحترمة،

إنقلبت حياتي رأسا على عقب و إتخذت مسارا لم أعد أتحكم فيه لمدة طويلة تجنبت الحديث عما يقع تفاديا لـبـث الخوف في من هم حولي.
أحيانا، في لحظات ضعفي و إنكساري أحدث نفسي بأشياء من قبيل : لو علمت بكوخ أو مكان آمن في أدغـال الحـبشة أو في أحراش غابة السفانا لما ترددت في الذهاب إليه، لكني أعرف مسبقا أني سأكون مستهدفا و ملاحقا من طرف عملاء لادجيد حيثما ذهبت من حسن حظي مازلت قويا و متماسكا ..
أبلغ من العمر 56 عا ًما إسمي محمد جبور، نشأت ببلدة نائية توجد في أطراف العالم تسمى ميسور، لن أتحدث هنا عن حياتي كلها، سأركز على ما حدث لي خلال العام الماضي 2022 ..
فلأن الأجواء أصبحت خانقة في المغرب، و لأن الإضطهاد أصبح لا يتوقف، قررت أن أجمع بعضأمتعتي، أحزم حقائبي وأغادر البلاد ، كيف أصبحت الأجواء خانقة في المغرب ؟ و لماذا السفر إلى الخارج ؟
كنت أسمع عن الحصار، دول تحاصر دولا أخرى ، و لم أتخيل يوما وجود أشخاص تحت حصار غير مرئي، أشخاص يعيشون تحت حرب حقيقية ، حرب غير مرئية ..
ها أنا تحت الحصار: أينما ذهبت أو حللت أشتم رائحة الحصار، أرى الحصار يمشي بجانبي، يعلن عن نفسه عن طريق المضايقة و الإزعاج، يمعن في الإضطهاد، يعرقل تحركاتي حيثما ذهبت حتى و إن ذهبت للدكان المجاور قصد اقتناء قطعة خبز واحدة فسأجد في طريقي من يتعقبني، يبصق نحوي، يتعمد مزاحمتي رغم إتساع المكان إذا لم يحدث شيء من هذا فسيكون هناك شخص ما يصورك بشكل إستفزازي .
يحدث ذلك في المقهى ، في الأسواق الشعبية، في موقف السيارات، عند بائع البيصارة، في المخبزة، في التاكسي، في المحلبة ، في وكالة دفع فاتورة الهاتف ، في الصيدلية ، في الأوتوبيس، أمام الشباك البنكي . يحدث ذلك كل يوم ، في كل وقت و حين، يحدث حتى في الحافلة كلما عزمت على السفر، ستكتشف أن 10 أشخاص أو أكثر يسافرون برفقتك لمضايقتك وإضطهادك طيلة الرحلة من مدينة إلى أخرى ، ستجد شخصا يضايقك من اليمين ، وآخر يضايقك من اليسار ، شخص يفتعل الشجار معك، يخرج عينيه و يصرخ في وجهك، تجد من يركلك بقدمه، من يقف في طريقك بحقيبته أو يدفعك بها ، من يسحب ستارة النافذة في الحافلة ، ويتذرع بذلك ليوجه لك ضربة على الرأس يجتهدون دوما في أن لا يتركوا حجة أو أثرا خلفهم ليبدو ما يحدث و كأنه مجرد صدفة ، و حينما تقوم برد فعل و ترد على الإعتداءات و المضايقات يكونون – بشكل ما – قد نجحوا في توريطك، فتبدو أمام الحاضرين كشخص معتد، أو غير متسامح، أو كمن يرغب في إختلاق المشاجرات، أو على الأقل ستبدو كشخص غريب الأطوار مما قد يجلب عليك النقمة و النفور ممن حولك، أو في المحيط الذي تعيش به او انت متواجد به.

صانعوا الألم قد يكونون أشخاصا منحرفين و بلطجية مثلما قد يكونون أشخاصا عاديين، تتعدد أصنافهم و ألوانهم، بعضهم يتظاهر بالطيبوبة و كأن له معرفة مسبقة بك، بعض آخر يتستر خلف عباءة الدين، فتراه يمسك بالسبحة، يصطنع الوقار، يغمض عينيه أحيانا و يتمتم ببضعة كلمات. حينما يتأكد من وثوقك به يكشف عن شخصيته العدوانية المخادعة ، ومهمته القذرة لتجد نفسك أمام وغد من درجة فاجر.
المتعاونون المسخرون هم أصناف و ألوان، في المقهى مثلا، يجتهدون في الإزعاج و التضييق، فمهما إنزويت جانبا يقترب منك أحدهم، يجلس في طاولة بجانبك، أو يحرك الكراسي ليصير على مقربة منك ثم يشرع في نفت الذخان في وجهك، من أساليبهم في المضايقة أيضا أن يقترب أحدهم من مكان جلوسك، يفتعل مكالمة هاتفية و يتذرع بها ليشرع في الصراخ و العويل إلى أن يتطاير بزاقه، أحيانا أخرى يتوافدون الواحد تلو الآخر، يجتمعون بالقرب منك ، ويشرعون في التصرف كذباب فعلي وحقيقي..
الإعتداءات و المضايقات تتعدد أشكالها و أصنافها أكثر مما قد نتصور في وسط المدينة، كنت في السيارة و فجأة رأيت خلفي شخصا بدراجة نارية يحرك يده بعصبية، سمعته يهددني، توقفت، إقترب مني و وجه لي لكمة في وجهي، سقطت إلى الأرض، صار يصرخ، صعد فوق السيارة و بدأ يتحرك فوقها، حدث ذلك في مدخل أحد المساجد، تجمع الناس، حضرت الشرطة ثم لاحظت أن الشرطة تخاطب المعتدي بإسمه الشخصي كأي صديق مقرب منهم.
من مفوضية الشرطة توجهت نحو المسجد، وقفت عند الباب وقت خروج المصلين و طلبت ممن حضر الواقعة أن يدلوا بشهادته لدى الشرطة، لا أحد يقبل بتقديم إفادته.
بعدها توجهت للحصول على شهادة طبية للإدلاء بها لدى الشرطة ، إلا أني لم أحصل سوى على شهادة طبية بالعجز لمدة لا تتجاوز 7 أيام رغم ما كنت عليه من شبه إنهيار كلي.
هل صار كل شيء متحكم فيه إلى هذا الحد؟ ، هل بإمكان مكالمة هاتفية من جهات معينة أن تضع أمامي كل العراقيل، و تحسم الوضعية لصالح أطراف أخرى؟ ، الإضطهاد يستمر بشكل يومي، و المجال لا يسمح بذكر كل ما يحدث من يقوم بمثل هاته الأعمال القذرة؟ و أي صنف من البشر يتم تسخيره للقيام بمثل هاته المهام ؟
هم متعاونون مع الشرطة السياسية يتسببون عمًدا في إلحاق الأذى و الضرر بالآخرين دون أن يرف لهم جفن، أنواع بشرية ليس لديها شعورا بالندم أو تأنيبا للضمير، أنواع بشرية تهتم فقط بالحصول على المال، أو الوصول إلى شبكة علاقات بأناس مؤثرين لهم سلطة يتم استخدامها في مآرب شتى، سلطة تساعد المتعاونين في تحقيق أهداف و مصالح شخصية بطرق ملتوية، سلطة يتم استغلالها للتستر على تجاوزات معينة، و تمنح لهؤلاء المتعاونين يدا طولى للقيام بما يشاؤون دونما خوف من المحاسبة أو العقاب.
علاقات مشبوهة تمنح المتعاونين إمتيازات تختلف بإختلاف مستوياتهم الإجتماعية : فيسمح للبعض منهم مثلا بإستغلال الشارع والأماكن العامة لعرض السلع وبيعها، غض الطرف عن مخالفات لهم كالسياقة في اتجاه ممنوع، سياقة الدراجة النارية بسرعة على الرصيف دون مراعاة للراجلين بما في ذلك الأطفال و العجزة، ركن السيارات حيثما شاءوا، في ممرات الراجلين أو على الرصيف و في الأماكن الممنوعة.. ، و قس على ذلك أحد الأشخاص ممن أمعنوا في تنغيص حياتي يشتغل إمام مسجد علمت في ما بعد أنه استفاد من فرصة السفر إلى الخارج للتاطير الديني في أوروبا خلال رمضان بكل ما يتيحه هذا السفر من امتيازات مادية و غير مادية ..
الإضطهاد يستمر بشكل يومي، و المجال لا يسمح بذكر كل ما يحدث من أشكال الإضطهاد اليومي ، إستقدام أطفال و مراهقين للعب الكرة تحت نافذة غرفة نومك ( منزل سفلي) ، يصرخون و يعبثون على مقربة منك ثم في لحظة مفاجئة يقدفون بالكرة نحو نافذتك بضربة صاروخية تهتز لها أطراف جسمك، حاولت معالجة الأمر بشكل ودي مع هؤلاء الأطفال و المراهقين لكنهم ” لسوء الحظ” لا يجدون مكانا لممارسة شغبهم و لساعات طوال سوى بجانب المنزل الذي أسكن به و بالضبط تحت غرفة نومي..
الأدهي من ذلك وفق ما أكده لي أطفال آخرون أن ، هؤلاء الأطفال و المراهقين يأتون من أحياء تبعد بما يزيد عن 3 كلمترات عن المكان الذي يتواجد به بيتي لن أتمكن أبدا من سرد كل ما حدث، لكن و لكوني رجل مطلق فأنا أسكن لوحدي مما جعلني فريسة سهلة لأصناف شتى من أنواع الإضطهاد : يضربون و يطرقون، يحدثون صخبا و ضجيجا مزعجا في بيت الجيران أو فوق سقف الغرفة، صخب يهدف إلى تحطيم الأعصاب و يمنع النوم، أحيانا كأنهم يضربون على صخرة كبيرة، أحيانا أخرى كأنهم يقومون بعملية هدم و حفر، أو ربما يستعملون تقنيات عصرية و أدوات مخصصة لهذا الغرض، صخب يستمر خلال ساعات النهار و الليل، ” يا للغرابة” الأصوات تتوقف حينما افتح كاميرا الفيديو لتسجيل ما يحدث، إلا أن الضجيج لا يلبث ان يعود بمجرد أن أغلق الكاميرا ( و مع ذلك فقد تمكنت من توثيق عدة فيديوهات) .
طبعا لا أستطيع الدخول في لعبة من هذا النوع طيلة الليل، لا أستطيع أن أستعمل الكاميرا طيلة الوقت لكي أمنعهم من إحداث الضوضاء، يجب أن أجد حلا للإفلات من الضجيج لأتمكن من النوم.
يقومون بأفعالهم من خلف الجدار، يتصرفون بجبن، كأنهم كائنات شبحية، لا يكشفون أبدا عن وجوههم، يواصلون ضجيجهم و صخبهم دون رحمة، دون توقف، يتمادون في الإزعاج، يمعنون في التنغيص.
أليس لكل تصرف حدود معينة ؟ ، أليست هناك كوابح ؟ كيف يسمحون لأنفسهم بالتصرف بهذا الشكل دون وازع و لا ناه ؟ ، دون حسيب و لا رقيب؟ ، هل الأمر يرتبط بحالة مرضية إندفاعية يحركها شعور مفرط بالقوة ؟ ، هل الأمر يرتبط بما صرنا نسمعه من تغول للأجهزة الأمنية ؟ ، هل هي مجرد ردة حقوقية بسيطة كما يعتقد البعض؟ ، أم أن الأمر أكبر من كل ذلك لأنهم يمتلكون حقا إلاهيا لإستعبادنا و يمنحهم تفويضا ليفعلوا بنا ما يشاؤون؟
لا أحد يعلم الآن أن شخصا أعزلا و وحيدا يقبع خلف الجدار شبه مستسلم لبطش و ظلم هؤلاء الأشرار و المجانين يشعرونك أنك تخضع لمراقبة لصيقة، يريدون تحويل حياتك لجحيم، يتتبعون تحركاتك خطوة بخطوة و يضربون في الوقت الذي يرونه مناسبا.
وجودهم بجانبك طيلة الوقت، طوافهم حولك قد يدخل الرهبة إلى قلبك.لكن بقليل من الصبر تستطيع أن تتجاوز ما يحدث، بسبب المتابعة اللصيقة هاته، صرت أتجنب الإفصاح عن برامجي اليومية و ما أنوي القيام به غدا أو بعد غد.
فإن قمت بإخبار أحد أصدقائي أو أفراد عائلتي أني ذاهب للمكان الفلاني، مصلحة البريد مثلا، وكالة آداء الفواتير الهاتفية، أو غيرها.. فسأجد أشخاصا كثيرين قد وصلوا هناك من قبلي يقفون في طوابير طويلة و متعرجة مما يتطلب مني و قتا كثيرا لقضاء أبسط الأغراض.
إنه شكل من أشكال التنغيص بهدف الإنهاك و الإزعاح و إضاعة الوقت و تبديده . لذلك كله صرت لا أخبر أقاربي ببرامجي المستقبلية و ما أنوي القيام به، لا اقصد هنا ان أقاربي تحولوا لمخبرين، لكن الأجهزة تتوفر على ما يكفي من الإمكانيات التقنية للتنصت بما في ذلك مراقبة الهاتف الشخصي أمام الطوابير الطويلة، أحيانًا أتظاهر بمغادرة المكان، بعد خمس دقائق أعود إلى نفس المكان فأكتشف أن الطوابير قد إختفت؟؟!!!…إنفض الجميع و ذهب كل لحال سبيله لن أتمكن من سرد كل ما حدث، لن أستطيع ذكر كثير من التفاصيل

الكتب الأربعة التي قمت بإنجازها بين عامي 2018 و 2022 قمت بإعدادها على أجهزة كمبيوتر غير متصلة بالإنترنت ، و مع ذلك كانت فقرات عديدة من الكتاب غالبا ما تختفي، تتعرض للبتر أو التشويه، كنت دوما أسارع إلى تسجيل ما أشتغل عليه في ملفات ، بي دي إيف ، PDF وطباعته على الورق ، لأن يدا غير مرئية تتلاعب بمحتويات الكتاب و تتلفه ..

وكلما إقترب الكتاب من نهايته يصبح العمل أكثر إرهاقً لإستكمال أجزاء منه ، لقد كانت هناك حرب غير مرئية، فإلتجأت للملفات المحفوظة في أقراص مضغوطة أو أعود للمسودة الورقية لترميم ما يمكن ترميمه وإسترجاع ما يمكن إسترجاعه الكتب هاته كلها تتمحور حول الذاكرة الجماعية والتراث الثقافي المحلي بميسور ، فترة إنجاز هاته الكتب رافقتها إعتداءات و مضايقات يومية، سواء داخل المنزل أو في المقهى أو أي مكان قد تشتغل به، مما نتج عنها بيئة غير مواتية للعمل، وشروط غير ملائمة للكتابة خصوصا عندما تحتدم المضايقات و ما قد تتسبب فيه من ضعف للتركيز و تشتيت للإنتباه.
ولأن الكتابات في هاته الحالة إنبنت على عمل ميداني فإن المضايقات إمتدت أيضا لتشمل اللقاءات و حصص التواصل مع الرواة خصوصا حينما كانت اللقاءات تتم في فضاءات مفتوحة يا لهم من أنذال !! حينما يستيقظون في الصباح من أجل الذهاب للعمل لاشك أنهم يقولون في قرارة أنفسهم :
” أنا ذاهب للتنغيص على فلان “، هم مجموعة من الأشرار و الأوغاد المفلسين أخلاقيا.
عديمي الشرف، النذالة صفة تجمع بينهم، لا فرق بين من ينفذ أو من يشرف و يخطط من أجل إصدار الكتب يتحول الطبع إلى عملية مضنية للغاية : من أجل العثور على مطبعة أطوف مدن كثيرة مثل الدار البيضاء و فاس و الرباط و مراكش و تطوان..
غالبا ما يتم رفضك بأساليب متعددة أبسطها سعر مبالغ فيه ، بعد حصول الإتفاق تبدأ التسويفات و المماطلة، ثم يشرعون في فرض إخراج معين للكتاب، أحيانا تصل الوقاحة بهم حد تغيير و تعديل أشياء في الكتاب مثل ورقة الغلاف.
تقدم لهم نموذجا جاهزا لورقة الغلاف فيقال لك ، أن ورقة الغلاف يجب أن تكون بهذا الشكل و ليس بالشكل أو النموذج الذي تاتي به انت متذرعين بأسباب تقنية . تعطيهم النص كاملا على شكل ؛ بي دي إيف ، PDF ، ومع ذلك تجدهم يغيرون و يعدلون، يغيرون موقع الفقرات، أماكن الرجوع للسطر، يتلاعبون بحركات الكلمات فتصير الكلمات غير واضحة و غير مفهومة الإضطهاد يستمر بشكل يومي، و المجال لا يسمح بذكر كل ما يحدث نظام مهوس بالتصوير، يصورونك بطرق استفزازية، المصور قد يكون رجلا  أو فتاة شابة، لا فرق.
يصورونك وأنت تجلس في مكان ما للتامل و إستنشاق الهواء، يصورونك وأنت في المطعم، يصورونك وأنت جالس بالمقهى ، يصورونك و أنت تشرب الحريرة، يصورونك وأنت تمضغ طعاما، يصورونك متى شاؤوا وكلما أرادوا، يصورونك وأنت بالسوق، يصورونك وأنت تعض تفاحة، يصورونك وأنت تساوم البيض، يصورونك وأنت تقف في محطة الأتوبيس، يصورونك وأنت تشتري الحمص المقلي، يصورونك وأنت تنتظر دورك لشراء تذكرة سفر، يصورونك وأنت ذاهب للمصبنة، يصورونك وأنت خارج من الصيدلية، يصورونك وأنت تأكل الرايب في المحلبة، بعضهم لا يحلو له التقاط السيلفي سوى في المكان الذي أنت متواجد به، و لا يجد غضاضة في أخذ السيلفي من زاوية تقحمك داخل الصورة .
السيلفي ليس من الضروري أن يكون في مكان جميل أو رومانسي ما دام الهدف هو، تحقيق الإستفزازات لو عزمت على سرد كل ما حدث فسأحتاج إلى تأليف أكثر من كتاب حاولت أن أنشئ موقعا إلكترونيا في موضوع التراث المحلي بميسور فواجهت حصارا شديدا من أجل إنشائه، رأيت النجوم في عز الظهر .
بكثير من الإصرار و من أجل الحصول على موقع إلكتروني يليق بموضوع التراث المحلي توجهت لأفضل الشركات المتخصصة المتواجدة في السوق، بذلت ما يكفي من الجهد والوقت ، وتكبدت عناء السفر عدة مرات لمقر الشركة المشرفة على إنشاء الموقع، و حينما إنطلق الموقع توقف عن الإشتغال ..

في الأسابيع الأولى  تعرض للخنق و كتمت أنفاسه بشكل محكم ، لن أتمكن من سرد كل ما حدث، لن أستطيع ذكر كثير من التفاصيل موقف للسيارات يوجد على بعد حوالي 30 ثانية من مقر سكناي تعرضت فيه سيارتي للإعتداء.
كانت الضربة واضحة على السيارة فطلبت تسجيلا لكاميرات المراقبة، إتصلت بالمسؤول عن موقف السيارات، رحب بالطلب، حصل بعض التماطل في تسليم التسجيل، ثم منعت من ركن السيارة هناك وحرمت من الحصول على التسجيل.
الأنكى من ذلك، تم إفتعال مشاجرة و تعرضت للضرب في سياقات متباعدة ، وحينما كنت أمد يدي لمصافحة بعض الأشخاص فوجئت ببعضهم يضغط على يدي بشكل رهيب، شعرت كأن الشخص المصافح ينوي تفجير يدي عوض مصافحتي، كان الشخص المصاحف له يد من حديد.
أشخاص منهم غرباء قمت بمصافحتهم في طروف معينة، و منهم معارف فوجئت بهم يضغطون على يدي بشكل غير مألوف، كان الأمر مفاجئا و غير مفهوم.
تكررت العملية عدة مرات ، حدث ذلك خلال 6 مرات على الأقل لدرجة صرت أتخوف مسبقا من كل مصافحة، صرت أصافح الجميع بتردد و حذر، بضعة أشهر بعد ذلك بدأت أشعر بألم في يدي، ذهبت لإجراء بعض الفحوصات، حينما ظهرت الصور بالأشعة السينية سألني التقني المشرف على جهاز الأشعة هل سقطت على يدك ؟
أمام الإعتداء و الإضطهاد رداة فعلي تختلف بحسب نوعية الإعتداء، تارة أشعر بالحيف و الضيم و بغصة في الحلق فتكون الدموع على وشك الإنهيار، تارة أخرى يمتلئ الصدر حنقا و غيظا، فأشعر بالهيجان و أكاد أرى الغضب يتطاير شزرا من عيني ..
في يوم 20 يناير من 2021 كنت عائدا من المصحة كنت قد أجريت فحصا طبيا و فحصا بالسكانير، كنت أعاني من سعال و إرهاق شديد، كان الطبيب قد شخص حالتي كمصاب بالكوفيد 19 ..
قبل العودة للمنزل صادفت في الرصيف ( طوار ) أربعة شبان في الثلاثينيات من العمر يسيرون بجانب بعضهم البعض، كان كل واحد يدخل ذراعه تحت ذراع الآخر، حينما إقتربت منهم تلقيت لكمة جانبية قوية من مرفق أحدهم، حاولت أن أحتج، حاولت أن أقول أنني مريض، حاولت أن أصرخ و أشتبك لكن قواي لم تكن لتسعفاني في المهجر، أحيانا تهاجمني ذكريات مؤلمة، ذكريات قريبة إنطلقت مع بداية انتقادي للسياسة العمومية، تستبد بي مشاعر كئيبة و حزينة، فأشعر بغصة في الحلق .
حينما إتخذت القرار بمغادرة البلد كان المخزن قد اجتهد في تلويث شبكة علاقاتي الأسرية و الإجتماعية، فرأيت معارفا و أصدقاء ينبذونني، يتجنبون التعامل معي و كأني حالة جذام يجب محاصرتها ..
بعض معارفي أصدقائي يستغربون ما لحق بملامح وجهي مؤخرا من مظاهر الشيخوخة المتسارعة، لاشك أن المتسائلين رأوا كيف اشتعل الرأس شيبا، لكنهم لا علم لهم بما أعيشه من عناء و مكابدة آلة الحصار و المضايقات تشتغل بشكل مستمر طيلة الأيام (7/7)، ليس بإمكاني أن أسرد كل ما حدث، ليست لدي القوة و لا الجرأة للحديث عن وقاىع معينة لأنها مازالت مصدر ألم و وجع و إن مضى عليها بعض الوقت.
أحداث و وقائع مازالت تسكن جزء مؤلما في الذاكرة صرت مضطرا لمغادرة المغرب، لم يعد هناك من حل آخر ، ثم إن الأجواء صارت خانقة.
صار من الواضح أن البلد يعيش في ظل نظام سلطوي فاسد لا توجد فيه آلية بين المسؤلية و المحاسبة ، برلمان مصاب بالشلل، لا يوجد به أي شكل من المعارضة، في أسوء الحالات معارضة ضعيفة، مجوفة و فارغة.
والأحزاب تحولت إلى مجموعة من الإنتهازيين ، بلد يعتمد على الولاءات و يتجاهل الكفاءات، بعيد كل البعد عن تحقيق التنمية لتجاوز مشاكله، فالميزانية المرصودة للبحث العلمي تكاد تكون صفرا، و ترتيبه العالمي في مؤشر التنمية البشرية يضعه ضمن الدول الفاشلة لوجوده في الدرجة 123 بلد لا وجود فيه للصحافة الحرة، كل ما هناك صحافة الكذب و التضليل و التشهير و الرأي الواحد، و الصحفيون يلاحقون بتهم جنسية لخلق الرعب لدى كل النخب و عموما، فبعد مقتل محسن فكري في شاحنة لتدوير الأزبال كان الوضع قد ازداد تفاقما، ساد الخوف داخل البلاد.
فسجن منتقدوا السياسة العمومية ، وحكم على نشطاء حراك الريف بالسجن لمدد تتراوح ما بين 10 إلى 20 سنة ، وإنعدام هواء جديد وبيئة جديدة للعيش بها، اتجهت للقيام برحلة طويلة أوصلتني حتى الآن إلى أماكن بحثً وبلدان مختلفة.
لست أسافر من أجل السياحة، و لا من أجل التجارة و الأعمال ، قضيت العام الماضي 2022 أتنقل مضطرا من بلد إلى آخر : الشرق الأقصى —> شمال إفريقيا —-> تركيا —-> أفريقيا الغربية .
في بعض البلدان مثل ماليزيا أو تونس أو تركيا ، مكثت مدة شهرين تقريبا في كل بلد على حدة طبعا لا أتحدث هنا عن الأسفار من أجل التباهي أو التفاخر لأنني فقط أجبرت على مغادرة بلدي، ثم إني حينما اقيم في هذا البلد أو ذاك لا أبحث عن الرفاهية، فللمبيت مثلا ، أنزل بفنادق بسيطة ذات مستويات متواضعة جدا، أقصد فنادق من الصنف الشعبي وكفى ماذا فعلت لأستحق ما يحدث لي؟ أو بعبارة أخرى ما الذنب الذي ارتكبته لأستحق كل ما يحدث ؟ ، كان أهم حدث في حياتي خلال السنوات السبع الماضية هو :
1 – انخراطي في إحدى منظمات حقوق الإنسان ( ج. م. ح. إ ) بصفتي مجرد عضو في فرع صغير يقع في بلدة نائية تقع على أطراف الدنيا ( ميسور) . المنظمة الحقوقية المشار إليها هي منظمة مرخصة و معترف بها من طرف السلطات المغربية ..

2 – شاركت في وقفات إحتجاجية و مسيرات كلها ذات طبيعة سلمية تعاطفت مع المظلومين على حسابي في الفايسبوك..
3 – وأعلنت تضامني مع الصحفيين المعتقلين و طالبت بمحاكمة عادلة لهم ..
4 – في سنة 2017 انتقلت إلى الحسيمة إبان حراك الريف( مطالب اجتماعية) ، مكثت هناك مدة
أسبوع و شاركت في مسيرة يوم عيد الفطر هل هذا كل ما قد يكون ” ذنـبـا ” ؟؟
و كما تمت الإشارة مسبقا، قمت بنشر 4 كتب خلال الفترة بين 2018 و 2022 كتب كلها تتمحور حول التراث الثقافي المحلي و الذاكرة الجماعية بميسور (ميسور تقع على نهر ملوية)،هي كتب ذات طبيعة توثيقية إعتمادا على عمل ميداني.
هل الكتب و الكتابة لا تروق للبعض؟ ، هل للبعض مشكلة مع الفعل الثقافي؟ هل لبعض المسؤولين حساسية أو نفور معين من كل ما قد يساهم في نشر الوعي و يشد عن خطاب التفاهة و السطحية الذي يريدونه أن يسود ؟
وصولي لكوالالمبور عاصمة ماليزيا إختلطت فيه مشاعر الدهشة بالإنبهار، فماليزيا هي أول بلد أتعرف عليه في منطقة جنوب شرق آسيا، مشاعر الإنبهار سرعان ما ستتبخر عند إكتشافي أن الإعتداءات التي كنت عرضة لها في السابق مازالت تطاردني رغم تواجدي بعيدا عن المغرب بآلاف الكلمترات، وجدت صعوبة في إستيعاب ما يحدث، فماليزيا توجد في النصف الآخر للكرة الأرضية لدرجة ان الناس هنا عندما تشرع في تناول وجبة الفطور يكون الناس بالمغرب مازالوا لم يتناولوا بعد وجبة العشاء .
لتفادي الإعتداءات حاولت في البداية أن أغير الفندق، ثم بعد ذلك بدأت في الإنتقالي من حي إلى آخر، فإنتقل من حي ” شاو كيت ” إلى حي ” بـوكـيـت بـيـنـتاغ”، ثم من هناك انتقلت إلى حي ” كـاي إيل سانـترل”، لاشيء يتبدل ، الإعتداءات ستظل تلاحقني، بإستثناء بعض الإجتهادات بقيت الإعتاداءات هي هي مثلما في السابق، كأنما يشرف عليها نفس المخرج، وحدها ملامح الوجوه تغيرت، شعرت كأني في مواجهة أجهزة من بلدان متعددة، أو كأني أمام عصابة تنشط على المستوى الدولي ..
الساعات الأولى من وصولي لماليزيا لم تكن ممتعة على الإطلاق كنت للتو قد إنتهيت من سفر طويل مرهق و شاق ، الرحلة إستغرقت 24 ساعة تقريبا.
حينما إعتقدت انني أخيرا قد وصلت إلى كوالالمبور، كانت مفاجاة غير سارة تنتطرني مع التاكسي، فللذهاب إلى الفندق بقى السائق يطوف بي لوقت طويل دون أن أفهم ما يحدث و دون أن أتمكن من الحديث إلى السائق لأنه يبدو ” لا يتكلم” اية لغة أستطيع فهمها بما في ذلك الإنجليزية.
من الواضح أن السائق غير عارف بالطريق المؤدية إلى المنطقة التي يوجد بها الفندق رغم إستعماله لجهاز الجي بي إس. هل هي مكيدة تم تدبيرها بهذا الشكل؟؟ ، لماذا تجتمع كل هاته الصدف؟ ، سائق تاكسي لا يعرف الطريق؟ ، لا يحسن استعمال الجي بي إس؟ لا يتكلم أية لغة رغم أن تذكرة التاكسي إقتنيتها من المطار؟
عندما وصلنا إلى الوجهة المطلوبة وأوشك الكابوس على الإنتهاء، كان التوتر قد بلغ بي أشده، كنت أريد أن أتخلص مما يحدث من شدة الإنفعال، لم أنتبه إلا و قد اصطدمت على مستوى الوجه بباب زجاجي لم أتمكن من رؤيته، فسال الدم من أنفي و تورمت جبهتي ..
أيام سوداء ستبتدئ، الإعتداءات و المضايقات لا تتوقف سواء داخل الفندق أو خارجه ، سروالي تم تلطيخه من الخلف بلون أصفر داكن، لون يشبه براز الصبيان- المواليد الجدد، لست أعرف أين و كيف حصل ذلك ؟؟ ، بقيت أستعمل ذلك السروال وأطوف به في الشوارع والأزقة لعدة أيام دون أن أنتبه للأمر.
كنت أبدو كمن تغوط في سرواله ، لاحظت أيضا أنهم يضعون لي العراقيل و الحواجز كلما حاولت أن أنقل أمتعتي من فندق إلى فندق قريب ( كراتين، سلع، أشخاص يقفون بالممرات، شاحنات و سيارات على الرصيف ).
أيضا نساء جميلات يأتين مرارا ليطرقن على باب غرفتي دون أن تكون لي بهن سابق معرفة ، أصوات و حركة و ضوضاء بجانب الغرفة و فوق سقفها أناء الليل و أطراف النهار.

يقومون بإيقاظي من النوم في منتصف الليل برش رائحة قوية تحت باب الغرفة ، أشياء كثيرة يريدون أن يدخلوا بها الرعب إلى النفس تماما مثلما يحدث في المغرب، هنا أيضا يدفعون ، يبصقون، يصورون، يشعرونك بوجودهم بجانبك، قريبا منك .
يتوقفون أحيانا عن إزعاجك لمدة 3 او 4 أيام حينما تنجح في فضح أو إفشال أحد مخططاتهم، كأن تكتشف مثلا أن الصوت الذي بقي يزعجك خلف النافذة هو مجرد كاسيط أي مجرد تسجيل صوتي يتم تشغيله للإيهام بوجود أشخاص يتحدثون أو بوجود آلات تحدث ضجيجا ..
في المهجر تحولت أسفاري و تنقلاتي إلى كابوس مستمر، فقط في الليل عندما أخلد إلى النوم ، أكون متحررا من بعض الضغوط، في الأحلام أسبح في عوالم الطفولة والذكريات الجميلة ، عندما أستيقظ أنظر حولي فأكتشف أنني ما زلت مغتربا، تائها، طريدا و مشردا فترة من عمري تتسم بالتيه والضياع، أيامها فارغة وثقيلة ، بطالة قسرية ، فقدت السيطرة على حياتي.
لا أصدقاء ولا معارف ولا أقارب و لا أحبة ، لا أحد ينتظرني في أي مكان ، أعلم مسبقا أن المضايقات وحدها تنتظرني ، لا أعرف أين؟ لا أعرف في اي مكان او زقاق؟
كيف يبدأ يومي؟ سؤال يطرح في بداية كل صباح، في السابق كان الأمر مختلفا، إعتدت على العمل والسعي، الوضع الآن يختلف، ليس لدي ما أفعله.
لا أريد أن أكون قاسيا مع نفسي ، سأكتفي بالقول أنني كل يوم، و طيلة اليوم أمارس هواية المشي كي لا أقول إنني أقضي اليوم متسكـعـا ، الدول تقول شيئا و تفعل شيئا آخر.
بلدان ذهبت إليها طمعا في الحصول على بعض الأمان فرأيت بأم عيني كيف يجند أشخاص ضدي في ماليزيا أو تركيا، يبدو المشهد في الشارع عاديا ، لكن الحقيقة هي أنه يوجد أحيانًا ثلاثون أو أربعون شخصا ، صغا ًرا و كبا ًرا، رجاًلا ونسا ًء ليس لديهم ما يفعلونه سوى مضايقتي : واحد يزاحمك او ينفث الذخان في وجهك، آخر يضع قدمه في طريقك لعرقلة حركتك أو يدفعك من الخلف بعربة أطفال، بمحاذاتك تمر دراجة نارية منطلقة كالسهم، سيارة مارقة تكاد تدهسك، بارعون في المراقبة و التنفيذ ، لا شك أنهم بأعداد كثيرة ، لديهم قدرات مالية ضخمة.
صدق من قال إن أجهزة الإستخبارات في كثير من البلدان أصبحت اليوم تسيطر على كثير من التفاصيل في كثير من المجتمعات، و هي على وشك أن تحول كثيرا من الناس إلى مجرد بيادق و جواسيس في إسطنبول يتم الإعتداء عليك في كل مكان، يتم اضطهادك و انت تمشي في الشارع ككل الناس، تتم مضايقتك و أنت في الحافلة أو في الميترو.
في أزقة المدينة القديمة تتلقى ضربة من الخلف دون أن تتمكن من معرفة من ضربك ، المضايقات ترافقك أينما ذهبت، في منطقة اكسراي، في التقسيم، في منطقة إمينونو، في لايليلي، و غيرها في حي” كوتشيك بازار” بوسط إسطنبول، يتم استفزازك حتى في مرحاض الفندق، فلا تكاد تلج المرحاض ، و تشرع في إنزال سروالك لقضاء الحاجة حتى يشرعون في الطرق على الباب بإلحاح، تكررت الإستفزازات عدة مرات و لم بتوقفوا عن المضايقة و الإزعاج سوى عندما صرخت بأن هناك كاميرا تصور ما يحدث و أن وقت دخولي المرحاض مسجل بدقة.فالمرحاض في الفنادق الشعبية هو مرحاض جماعي و لا وجود للمراحيض داخل الغرف ..
في تونس ، بهدف الحصول على بطاقة إقامة، وبقصد الحصول على حماية معينة ، تقدمت بطلب لجوء إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بداية قمت بالتسجيل في المكتب الكائن بحي المنار ثم بعد ذلك سرت أتوجه إلى المكتب الكائن بحي ” البحيرة” المعروف ب ” لو لاك” ، لكنني لم أتمكن أبدا من إتمام مسطرة التسجيل للحصول على بطاقة لاجئ.
لم أتمكن من إستكمال عملية التسجيل بسبب الضغط الناجم عن وابل من المضايقات و الإعتداءات اليومية التي كنت أتعرض لها سواء في الشوارع والأزقة التونسية او داخل الفنادق، لدرجة كنت مضطرا لتغيير الفندق بشكل مستمر بسبب الضغط الرهيب، اليومي المستمر.
من المهم أن أسجل أن كثيرا من الفنادق التي كنت أنزل بها هي فنادق شعبية تتراوح أسعار المبيت بها بين 6 و 8 دولارات مازلت أحتفظ بفواتيرها في تونس يمارسون عليك الترهيب خلال الليل وأثناء النهار، في الفندق يبالغون في الضوضاء بجانب غرفتك، يطرقون على الجدار ، تكاد تحسبهم معك بداخل الغرفة. في ساعات جد متأخرة من الليل يخيم أحيانا بعض الهدوء، لكنك حينما تشعر بالرغبة في التبول و تفتح باب غرفتك للذهاب إلى المرحاض، تجدهم يفتحون أبواب غرفهم رغم الساعة المتأخرة / حوالي الساعة 3 ليلا، كانهم يترصدونك، كأنهم كانوا بانتظارك طيلة الليل، منهم من يسألك كم الساعة؟ ، ومنهم من يسأل هل معك ولاعة؟ هل لديك سيجارة ؟ تجنبا لهذا الذعر الليلي و هذا الإستنفار في أواخر الليل سأتوقف عن الذهاب إلى المرحاض، من الآن فصاعدا سأكتفي بالتبول في القناني البلاستيكية في وسط المدينة بتونس العاصمة، كان الفندق الذي أنزل به فندقا شعبيا يعج بالحركة، فندق يقع بساحة برشلونة بمركز المدينة قرب محطة القطار، إلا أنه و بقدرة قادر، حينما هممت بالمغادرة لإقتناء بعض
المشتريات اليومية حوالي الساعة 3:45 بعد الظهر أفاجأ بالفندق مغلقا، فأجد نفسي وحيدا، سكون يشبه صمت القبور، لم أستوعب الأمر و كدت أجن جنوني ، لماذا الباب مغلق؟ ، أين ذهب العاملون؟ ، أين نزلاء الفندق؟ ، بمن أستنجد؟ ، لماذا هذه المسرحية السخيفة ؟ ، كأنهم يراقبون غرفتي من الداخل من خلال كاميرات مراقبة و يعرفون بتحركاتي و وقت خروجي.
ما الغرض من وضعي كرهينة ؟ ، هل الإعتداءات و المضايقات ليست لها حدود؟ هل يعرفون أني مريض سكري ؟ ، هل يتابعون ما يحصل عن بعد و يشعرون الآن بالمتعة و بنشوة الفوز و الإنتصار؟
من أغرب ما حدث لي بتونس أن مالك الفندق قال لي سمعت أنك تتوفر على أمتعتة كثيرة، قلت له :” كل ما لدي مجرد أمتعة عادية، لست تاجرا، و لا أدخل إلى الغرفة سلعا من قبيل الخشب او الحديد” ،
أصر على تفتيش الغرفة، كان يتحدث بتشنج، كان الأمر مهينا بالنسبة إلي، توجهنا نحو الغرفة، دخل وفتش أركانها ثم قال : ” أوكي، ليس لديك أمتعة كثيرة ”
سواء داخل الفنادق التي كنت أنزل بها او في خارجها، في المطعم أو المتجر، في مقعد منعزل بالحديقة العمومية أو في الساحات و الأسواق، في مدخل محطة القطار أو في الممرات تحت أرضية، لدى بائع الساندويتش أو لدى مصلح الأحذية..
في ركن من الشارع و أنا أستفسر عن كيفية الذهاب إلى المكان الفلاني أو خلال إنتظاري لإشارة المرور كي أقطع الشارع، في هذا المكان أو ذاك، دوما كنت أتعرض لسلسلة حوادث غريبة ومؤلمة سواء في تونس او في غيرها من الدول الأخرى التي توجهت لها مثل ماليزيا وتركيا ، مضايقات كانت على درجة كبيرة من التشابه رغم إختلاف البلدان و تباعدها .
كانت الإعتداءآت متشابهة في أساليبها و طرق إشتغالها و كأنها صادرة عن جهة واحدة ، هل هو تنسيق أمني بأبعاد دولية؟ أم هو تغاضي و ترخيص لأجهزة أجنبية للإشتغال بكامل الحرية ؟
غالبًا ما تكون الإعتدءات و المضايقات على شكل بصق و تنخيم في الشارع ، دفع و ركل في الأماكن المزدحمة ، في بعض الأحيان ، عندما تجلس في مقعد منعزل في ساحة عامة يرسلون عامل نظافة ليكنس المكان الذي أنت تجلس به، عامل النظافة يتوجه نحوك و يتعمد الإقتراب منك و كأنه يريد أن يكنسك، أحيانا أخرى، خلال ساعات متأخرة من الليل و أنت نائم يقومون بضخ ذخان السجائر في غرفتك بالفندق .
الضيم و الضرر طال أمده، في المهجر فشلت في العثور على شغل، أبحث عن أي شغل مهما كان بسيطا، و لو في الزراعة أو الأعمال اليدوية رغم سني المتقدم، بعثت بعشرات الطلبات إلى مختلف المؤسسات و الشركات، قمت بالطواف على كثير من المحلات التجارية، عرضت خدماتي على عشرات المصحات المتخصصة في السياحة العلاجية بإسطنبول، فهذا النوع من المصحات من دون شك بحاجة لمن يتحدث اللغات الأجنبية، حاولت دون جدوى أن أشتغل كمدرس يقدم حصصا للتقوية في بعض المؤسسات التعليمية الحرة بموريتانيا، لا أنتقي أو أتخير بين الفرص، أرحب بكل عمل يحفظ الكرامة و يضمن بعض الدخل.
لا أتوفر على أدوات للطبخ و تعبت من الأطعمة المعروضة في الشارع، أوضاعي الصحية لم تصل درجة من السوء مثلما هي عليه اليوم، الجلد كاد أن يلتصق بالعظم، الأيام تمضي ثقيلة بطيئة، معنويات محطمة، نفسية منحطة، جسم تسكنه الأسقام و الأمراض، فكر مشتت، و توجس من المجهول و الآتي. أستغل لحظات الصفاء بين الفينة و الأخرى لتدوين ما يمكن تدوينه..
الكتابة بهذا المعنى هي محاولة لإعادة الإعتبار للذات، محاولة للمواساة و تضميض الجراح بعد الوصول إلى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء لست أعرف أين سأذهب بعد ذلك، من السنغال حاولت الدخول إلى گـامبيا من خلال المعبر الحدودي ” كـاگـان” إلا أن السلطات الگـامبية لا تسمح لي بتخطي الحدود فاضطررت للعودة أدراجي رغم ما تحملته من مشاق و مصاعب كي أصل إلى الحدود ، مبرر الرفض هو عدم توفري على تأشيرة الدخول، إستغربت الأمر لأن حامل جواز مغربي معفى من الفيزا..
في مكتب ختم الجوازات أحالوني على مسؤول أعلى أخبرني المسؤول بضرورة دفع 120 يورو ، أبلغته أن إمكانياتي ومدخراتي المنهكة لا تسمح بذلك ، أخرجت الهاتف وفتحت الإنترنت، حاولت أن أجعل المسؤول يطلع على منشورات، مقالات و محتويات تؤكد كلها أن لا ضرورة للفيزا في الحالات
المشابهة لحالتي.
أصر المسؤول على كلامه، ثم خفض السعر من 120 إلى 80 يورو !!!. للأسف لست متعودا على التفاوض في مثل هاته الظروف، ثم إني لا أجيد المساومة من أجل تخفيض الأسعار.
رفضت العروض التي يقدمها المسؤول ، و كان ملاذي الأخير هو الإنصراف كلما إشتد الضغط علي في بلد ما كنت أذهب إلى بلد آخر ، كنت أعتقد اني سأعثر على متنفس جديد، سيكون التحرش أقل . أنتقل إلى بلد آخر فأكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، أو كمن يكرر نفس التجربة بنفس الأدوات و الوسائل معتقدا أنه سيصل إلى نتيجة مختلفة أكتب هذه الكلمات في مدينة روصو الموريتانية ، مدينة تسبح في بحر من رمال الصحراء الكبرى ، تقع في الجنوب على الحدود بين موريتانيا والسنغال. أتواجد هنا منذ بضعة أسابيع عاجلا أو آجلا الحقيقة ستنتصر. نحن الآن في شهر فبراير 2023 ، تعبت من التنقلات، أتمنى أن يمنحني هذا العام الجديد بعض الاستقرار ، فأنا واقعي و لا أنتظر المعجزات.
في الأخير تقبلوا سيدي، سيدتي، أسمى عبارات الود و التقدير، و متمنياتي لكم بالنجاح و التوفيق.
روصو الموريتانية ، فبراير 2023

محمد جبور

_____

من :
الإسم : محمد جبور

جواز السفر رقم : 7404515TI
بطاقة الوطنية : 232451C
العنوان (في المغرب) : 47 زنقة السلامة الحي الجديد ميسور
محل الإقامة الحالي : موريتانيا
الهاتف : 222+ 48655637
البريد الإلكتروني [email protected] :

في الختام أشكر الأستاذ فرحان إدريس المدير العام ” للشروق نيوز 24 ” الذي قبل بنشر رسالتي هذه ولا سيما إرسالها بنسختها بالفرنسية والأنجليزية والإسبانية والإيطالية لمسؤولي المنظمات الحقوقية الدولية …

Advertisement
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.